اضطرت قناة فضائية عربية متعاطفة مع الدكتور محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة إلى أن تقطع البث المباشر عن وقائع مؤتمر كان قد دعا إليه الشيخ حازم أبو إسماعيل مؤسس حزب الراية، وذلك لأن بعض ما قيل في خطب المتحدثين كان يمثل أسوأ دعاية كارثية لأنصار محمد مرسي، لقد انتفخت أوداج البعض وسخن الكلام، ووصل إلى تخوم التهديد بحمل السلاح في الشوارع ضد المعارضين للرئيس، وأما غالب الحديث فكان شحنًا خطيرًا للعنف والتهديد به وإعلان الاستعداد الكامل لمواجهات الشوارع، كأنهم يتلمظون شوقًا لها، وبين الهتافات والتكبيرات كانت الكلمات والخطب تُعبئ أجواء الوطن بالرعب، ولم يعد ينقص سوى إشعال عود ثقاب سياسي صغير لكي تتحول البلاد إلى حريق يستعصي على كل أجهزته ومؤسساته إطفاؤه قبل سنوات يكون فيها قد أكل الأخضر واليابس، ما حدث جعلني للمرة الأولى أستحضر نفس السيناريو الذي شهدته الجزائر قبل سنوات وأصحب عبرة للمعتبرين، وأتمنى بهذه المناسبة أن يجمع أحد الناشطين خطابات الشيخ علي بلحاج وغيره من رموز جبهة الإنقاذ قبل الانفجار الكبير ولغة التحدي والشحن والتهديد والوعيد، ويقدمها هدية لكل من شارك في احتفالية حزب الراية الأخيرة، لأنه سيجد أنه أمام نسخة طبق الأصل من ذات الخطاب وأحيانًا بنفس مفرداته الدينية، يختلف عنها في اللهجة المصرية فقط لا غير، وخطورة هذا الخطاب أنه يُعبئ أجواء الوطن بالعنف، تمامًا مثل من يأتي في منزل مغلق فيفتح أنبوب الغاز فيشحن أجواء المكان كله بالغاز ويصبح مؤهلًا تمامًا للانفجار لمجرد عود ثقاب صغير أو حتى حركة عفوية بسيطة تُسبب شررًا تافهًا وهينًا، ولكنه في تلك الحالة سيكون كافيًا لتدمير المكان بالكامل، وقد يكون عود الثقاب هنا طلقة رصاص طائشة أو مقصودة أو ملعوبة بدقة تقضي على هذا الرمز أو تنهي مسيرة المسؤول الرفيع، فتتحول الشوارع والمدن إلى بحار الدم والنار وينتهي كل شيء. بعض الإسلاميين يفتقرون إلى أبسط شروط الوعي السياسي باللحظة وحساباتها وحساسياتها، وأبسط شروط الرؤية السديدة للمستقبل، وأبسط شروط الحكمة لمعرفة المستهدف من التحول الجديد الذي يعيشونه، وأبسط قواعد الوعي بطبيعة الصراع السياسي وتقدير حسابات الخصوم بمختلف تنويعاتهم، وأيضًا أبسط شروط الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والدعوة والبشر، وأمثال هؤلاء هم أسهل أدوات تدمير المشروع الإسلامي من قبل أعدائه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولن يجد خصوم التيار الإسلامي أفضل من هذه النماذج وتلك العواطف المجنونة لكي يوظفوها في تدمير المشروع كله، وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، بل إلى ما قبل الصفر بمرحلة بعيدة، وعلى الرئيس مرسي أن يبذل جهدًا ضروريًا مسؤولًا لتحجيم هذه النزعات، لأنهم محسوبون عليه بصورة أو أخرى ومؤسسته تتواصل معهم بصورة دائمة، وهم يضرون به ضررًا بالغًا، ويعرضون مشروعه بل يعرضونه هو نفسه للخطر الحقيقي، وعلى الأحزاب الإسلامية الجديدة أن تخرج سريعًا من حالة الخندقة السياسية الاعتباطية ومحاولة شيطنة المعارضة وكل من هو مختلف معنا، فالخندقة والاصطفاف الأيديولجي الحاد يضر المشروع الإسلامي ويقطع عليه طريقه ويحرمه من أن يتبوأ مقام الريادة للمسار الوطني، وهو مقام مستحق له لو أحسن تفكيك معضلات اللحظة الحرجة، وسيحوله إلى جزء من الأزمة وليس منقذًا للحل، ومن هنا أعود وأؤكد بعيدًا عن أي مجاملات أو تشنجات أن المسار الذي أخذه حزب النور في الفترة الأخيرة هو الأكثر إيجابية في هذه الحالة وأتمنى من الآخرين دعمه وتعزيزه وتطويره وتصحيح بعض جوانبه إذا استدعى الأمر ذلك، فالمهم هو معرفة الوجهة الصحيحة للخروج بالوطن والمشروع الإسلامي كله من المأزق، طريق النجاح للمشروع الإسلامي في مرحلة استثنائية خطرة كهذه ولحظة إعادة بناء لوطن جديد يكون بالتواصل والانفتاح وإشاعة أجواء الثقة والود والاحترام واحتواء مخاوف الآخرين وتخفيف الاحتقان وإزالة أسباب الكراهية قدر الإمكان وتأكيد روح التعاون والشراكة الوطنية وتعزيز صورة السفينة الواحدة للوطن ومسؤولية الجميع في إنقاذها قولًا وعملًا وإدارة. [email protected]