تحت هذا العنوان «القارئ الأول»، وفى بداية الألفية الثالثة، كتبت ونشرت المقال التالى، فى صحف قومية وغيرها، ثم أعدت نشره أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة قبل الثورة، وأظنه ما زال مستحقاً للنظر من قِبل مسؤولينا الحاليين أيضاً، وإلى نصه: وسريعاً أقول إن القارئ الأول الذى قصدته فى العنوان، هو كل شخص منوط به قراءة الاقتراحات والشكاوى التى ترسل إلى المسئول، أياً كان موقعه، أو تكتب على صفحات الصحف أو تبث عبر الإذاعة أو التليفزيون، ومن المفترض فيه أن يُقيّمها ويعرض النافع منها بأسلوب موجز على المسئول إذا اقتضى الأمر ذلك، أو يحولها إلى الجهة المنوط بها بحثها أو الأخذ بها، أقول إن اختيار هذا القارئ الأول، والذى بدوره يقوم فى بعض الأحيان وتبعاً لحجم الهيئة أو المؤسسة التابع لها باختيار قراء أُُول معاونين له، أن اختيار هؤلاء جميعاً يجب أن يخضع لمعايير دقيقة فى التوصيف ثم الاختيار، لأننا وببساطة شديدة إن لم نفعل هذا، فإننا نفقد فى واقع الأمر آلافًا من المستشارين المجانيين وعطائهم، سواء من الصحفيين أو الكتاب أو حتى القراء باختلاف فئاتهم عبر ما يُنشر لهم ببريد القراء فى الصحف، الذين يكتبون أفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم، والتى كثيراً ما تطالعنا بها الصحف ولا يبغون بها إلا وجه الله ثم مصلحة الوطن، وانظر مثلاً إلى صفحات وأعمدة الرأى وبريد القراء بالصحف والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، وكم هى زاخرة ويومياً بكثير من المفيد منها، ولكن الأمر أصبح يحتاج فيما يبدو لمن يعيها، فيقتنصها، فيقدمها للمسئول. إننى أتعجب كيف تكون لدينا منذ سبعينيات القرن الماضى، وزارة للتنمية الإدارية، ولا تتسع مجالات اهتماماتها لكل ما ذكرته، وغيره الكثير والكثير، الذى مهما اتسعت مساحة الكتابة لن أستطيع أن أذكره، وهو ما يجب على هذه الوزارة أن تغطيه، بل وتغوص أكثر فى عمق المجتمع وباتساعه طولاً وعرضاً، ليصادفها العديد غير المتناهى من المشاكل حلها ميسور بمعالجة أسبابها بقرار، وبقليل من الخبرة! إن تطبيق المفيد والنافع من نتاج المصريين الفكرى، سيحقق نفعاً للوطن، وهذا بالتأكيد له مردود مادى، لأن القضاء على مشكلة أو إضافة نفع جديد يساوى فى الحقيقة، إما إيقاف نزيف مادى أو إضافة مورد جديد، وهو ما يستحق عنه صاحبه أن نلتفت إليه ونعتنى بما قدمه، وأن آلية علمية بسيطة كان يمكن أن تحتوى فكر هؤلاء وتستفيد منه، فهكذا تكون إدارة الفكر، هذا ما كتبته فى بداية الألفية الثانية، ولم يكن له أى صدى أو مردود، هل تعلمون لماذا؟ لأن هذا ببساطة، هو نصيب النظام من العقل والفكر والإدارة، بفروعها، من تخطيط وتنظيم ومتابعة، وأن نصيبه أيضاً ألا يحصد رضاء الشعب، لأن من زور وزيف لا يستحق. إلى هنا انتهى ما كتبته ونشرته قبل الثورة، وللأسف ما زلنا فى احتياج إلى الوعى به واستيعابه، ومن ثم اعتماده. نحن أمام أزمة عقل، أزمة فكر، أزمة تفكير، نحن أمام أزمة اختيارات عقلية، اختيار فكرة، اختيار شخص، اختيار سياسة، خلاصة الأمر نحن أمام أزمة العقل المصرى بعمومه، نعم بعمومه، فأحدنا لديه عوار فكرى، وآخر إن لم يكن فهو صامت لا يدلنا ولا ينصحنا ولا يعلمنا، والكارثة فيمن لديه عوار فكرى ممتزج بكبر وانغلاق. وتجد آخراً يحمل بارقة فكر، ولكنه كسولٌ، بينما هناك ثالثٌ يتمنى أن يكون ولكنه لا ينمى قدراته، ورابع خطير لأنه بكاش أو نصاب أو مدعٍ، أما الخامس وهو أخطر هؤلاء، فهو الأرعن والكارثة حين يندفع. أما الأخطر بالمطلق، فهو من يكون بيده سلطة، أياً كانت هذه السلطة وأياً كان موقعها، ثم لا ينجز ولا يسمح لآخر أن ينجز! نحن لا نتعلم من أخطائنا وهى مصيبة لأننا نكررها. ومع كل ما تقدم، فثقتى بالله عظيمة، وأن حالنا سينصلح بإذن الله، حال أن ننصت لبعضنا، بعد أن نتخلص من أمراضٍ لا تتسق مع الإدارة الحقة، والأهم أن الله سبحانه وتعالى يأباها لنا، ثم مصر بتاريخها ومكانتها وشعبها الذى صنع الحضارة، تستحق منا الآن وبسرعة، أن ننهض إلى إبداعٍ تراكمىٍ لها. * لا يوجد ما يسمى بالضبطية القضائية للمواطن، ولكن يحق للمواطن أمران، الأول حق الدفاع عن النفس والمال والعرض، الثانى عدم سلبيته حال قدرته على ضبط المجرم المعتدى على الغير، والقانون يتيح له ذلك، ومن الأمور التى استحسناها جميعاً، بل وشجعنا عليها حال انسحاب الشرطة أثناء الثورة ما سمّيناه باللجان الشعبية، أما صراخ المعارضة فى هذا الشأن فهو «عويل سياسى» ينطلق من رغبة فى استمرار التخريب وكره لتصدى المواطنين له حال تخلف الشرطة عن دورها، وتنطلق المعارضة فى ذلك من عجزها وفلسها، وسذاجتها الفكرية والسياسية، فهذه النخبة المعارضة بالذات ومعها إعلامها، هم من صدعوا رؤوسنا فى السنوات الأخيرة قبل الثورة، بالحديث عن سلبية المواطن إزاء ما يحدث أمامه فى الشارع المصرى، بينما كانوا يدركون تماماً أن أولاد البلد من الإسلاميين وغيرهم، لم يتخلوا أبداً عن أخلاقيات وسلوكيات «الفرسان»، إلى هنا هذا ما قلته الاثنين الماضى على الهواء فى قناة الناس، بينما كانت معظم القنوات الأخرى، على سيرتها التى بدأتها من زمان، فى مسلسل «التوظيف العاجز» للأباطيل والأكاذيب، والتناقض أمام الموقف الواحد، حسب الهوى والغرض! * قال الدكتور حمزة عامر وهو محق فى هذه الفقرة من حديثه: ..... والطمع فى دخول الجنة «أونطة فى أونطة» بمجرد الجلوس والدعاء والبكاء بلا عمل أو علم. إلى هنا، وكان لابد لى أن أضيف إلى ما قاله: يقيناً، لم يكن ليترك الله سبحانه وتعالى البشرية بنقصٍ، لذلك كان دينه العظيم الخاتم، ودور الإنسان فى إعمار الدنيا والأخذ بأسباب العقل والعلم والعمل، وأن العبد لا تكتمل عبادته لله سبحانه إلا بالعمل، أى بالأخذ بأسباب الحلول بقدر استعداده وملكاته، أى بوسعه الذى وهبه الله له، والوسع هنا لا يشمل فقط المتاح الآن، بل وما هو مقدر للإنسان باجتهاده وبجده أن يُعَرِّضه ويُعَمِّقه، وذلك عنوان رئيس لشمولية الإسلام الذى علينا أن نفهمه فنعتمده. [email protected]