مسكينة أنتِ يا بلادي منذ ثلاثمائة سنة وأنتِ تجلسين إلى تلك الترعة التي توعدكِ بها عبد الحليم حافظ تغسلين شعرك في مياهها الملوثة تنتظرين النهار حتى جف وسقط وبدت رأسك المتقرحة من المرض واسود ثوبك ووجهك. مسكينة أنتِ يا بلادي كلما تخيلت صفحة وجهك لم يسعفني إلا مشهد بائعة الخضر الجالسة بمشنات الخضر الموشك على العطب تبيع أردأ الأنواع وبأرخص الأثمان تبغي قروشًا قليلة تسد جوع أطفالك ويراودك الناس على بضاعتك وعن ولدك وعن نفسك. مسكينة أنتِ يا بلادي أمُرّ في شوارعكِ العجوز المتهدمة فأرى الإحباط الأسودَ في وجوه الناس وأرقب وجوههم المتألمة بالحزن العميق وأنظر في أعين الناس فأرى سوادًا من فرط سخط وقد غزت دموع الحنق والحسرة والسخط أحداقهم. "رأيت الخوف" وكيف يقتل الحياة في عيون الناس، ورأيت الأمل وكيف تهدمه يد المؤامرة والكذب والخداع، ورأيت الإيمان وكيف يضيعه "ملك كذاب" ليقتل حلمًا هو أكبر من كل طعنات الخيانة، ورأيت شيوخ السلطان يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، ورأيت كيف "يصبح الرجل مؤمنًا"، ورأيت الوهن "حب الدنيا ومخافة الموت"، ورأيت الذين "يحلفون لكم لترضوا عنهم". أين ذلك الحل الذي وُعدناه يخفف آلامًا ويكفف دموعًا ويداوي جراحًا لطالما عملت يد الطغيان في بلادي على تعميقها. أين الشريعة؟ أين ما وعدنا به؟ أين إيمانكم؟ أين مواثيقكم الغلاظ؟ أين الشريعة؟ ألم يهلك الله عدوكم ويستخلفكم في الأرض من بعده؟ يوم نادى المنادي "لننظر كيف تعملون"؟ وها هي عقود من الوعود بجيل الصحوة والفتح والتمكين للدين الذي انقلب لتمكين الفرد والرفقة الصحبة يومها كان "الإسلام هو الحل" ولم يعد اليوم يصلح الإسلام حلًا. فلم يكتف النظام "الممكن له" بأن يسكت عن ما هو من أبسط محرمات الشريعة كتصاريح بيع الخمور ودور الدعارة العلنية. بل أتى ما هو أكبر من ذلك فحارب السنة الصريحة الصحيحة ومنعها وعاقب عليها متأسيًا بنظام الطاغوت. بل أتى ما هو أكبر من ذلك فحارب مطلق تحكيم الشريعة، أليس الشعب "صاحب السيادة"؟ يا أنصار الشريعة يا من وقفتم مع هؤلاء من قبل تخونون من خالفكم وتصرخون في وجوههم إنهم باعوا الشريعة. أين الشريعة؟ يا معاشر العلماء يا من خرجتم مرارًا لتأمروا الناس بنصرة هؤلاء أو سرًا وعلنًا ووقف بعضكم على مسارحهم وطاولاتهم مؤيدًا لهم، أين الشريعة؟ "وجاء المعذرون" وخرجوا علينا بتبرير ضياع الوعود وكذب العهود ونقض المواثيق. فمن مخوف بالعفريت الكاكي وتحذيرات جوفاء من نقض الصفقة التي أعلن عنها بعض عناصركم من قبل والانقلاب على المشهد "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" سبحان الله العظيم "أولم نمكن لهم"؟ فجعلوا أعراض الدنيا من مطعم وملبس "أولى" من الشريعة وكلما كلمت أحد هؤلاء المعذرين عن أي شيء أي شيء مهما كان بسيطًا ومقدورًا عليه في أمور الشريعة قالوا لك "أولى" أليس الأولى "كذا وكذا" فالأولى كذا وكذا. وقضية الضباط الملتحين أبسط مثال على أن الملك الكذّاب وإن أقسم على ستار الكعبة كذّاب. هل جاء ليطبق الشريعة كما وعد أم أن هذا لم يكن هدفه قط وأنه لم يرم يومًا ولم يرغب في تحكيم الشريعة بل عمل ضدها هو بنفسه أولًا ثم بجنده تمامًا كالطاغوتقيل لهم اللحية شريعة.. وهي على أقل وأضعف أحكام الفقه سنة.. قالوا القانون واللوائح قيل لهم الشريعة لا يعارضها قانون ثم أن هؤلاء النفر قد حصدوا أحكامًا بالعشرات كلها واجبة النفاذ من أجل تطبيق ذلك القدر من الشريعة.. قالوا إن قيادات الشرطة الفاسدة ستستغل ذلك القرار في تأليب الشرطة علينا وإشاعة الفوضى بين الناس. قيل لهم فإنكم تغيرون رؤساء وقادة الشرط كما يغير أحدكم سراويله أو أسرع وقد شهدت الوزارة منذ مجيئكم الميمون ثلاثة وزراء وعشرات من القيادات مرحلة من مكانها كل يوم.. قالوا أين فقه الأولويات؟ أليس أولى من إقامة شيء من شريعة الإسلام حماية "المشروع الإسلامي"؟! أي عدو نفسك، أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى، أي مشروع هذا الذي تزعم أنك تحميه إن غيبت كل تفصيل فيه؟ أهو قالب أجوف لا يحتوي على شيء ؟ أم أنه مشروع تمكينكم أنتم والله يقول "ليمكنن لهم دينهم" ولم يقل نظامهم ولا حكمهم ولا مشروعهم فما التمكين؟ وأين هو إن أنتم ضيعتم تفاصيل الدين؟ بل وجعلتم لازم الاقتران بالسنة "تخلف وفقر وجهل". الأولوية للأمن لطالما تحاميتم بالإسلام وبنيتم شعبيتكم بين الناس بالإسلام الذي "كان" هو الحل أما الآن فتتصدر الأولويات. وعندما مكن لكم وطالبكم الناس بتطبيق شيء من تلك الشريعة التي حملتكم إلى كراسيكم "رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم، طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم" هذا يا معاشر المعذرون هو الأولى الذي نزل في كتاب الله ولكنكم قوم تعدلون. إنني لم أكتب هذا المقال للمعذرين أو الذين باعوا شريعة الله أو من داهنهم من علماء السلطان. ولكني أكتبه إلى أصحاب الوجوه الحزينة المحبطة.. إخواني.. اطمئنوا إن حلم الشريعة لم ولن يضيع. فإن شريعة الله والله منصورة.. أمر أحلف عليه ولا أستثني. [email protected]