سحب 292 ملفا للترشح في انتخابات النقابات الفرعية للمحامين    رسائل قوية من السيسي لقادة أفريقيا وروسيا وبريطانيا وكوريا    التخطيط تترأس اجتماعا تحضيريا للجنة المصرية الأذربيجانية المشتركة للتعاون    خطة السلام الأمريكية تنص على تخلي أوكرانيا عن إقليم دونباس لروسيا    موعد المؤتمر الصحفي لمدرب الزمالك قبل مباراة زيسكو    بن رمضان ومعلول يقودان قائمة تونس في كأس العرب    رئيس صرف صحي القاهرة الكبرى يتفقد محطتي رفع بهتيم وبيجام بشبرا الخيمة    أحمد كامل يفاجئ جمهوره ب لسه حي، أول ميني ألبوم بقلم شاعر واحد    الرعاية الصحية تطلق حملة توعية لضمان الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية    زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب بنغلاديش    جامعة بنها وحياة كريمة ينظمان قوافل طبية وتوعوية بقرية الجلاتمة بمنشأة ناصر    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    طاقم تحكيم مباراة الزمالك وزيسكو في الكونفدرالية يصل القاهرة    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    موعد التدريب الختامي للزمالك وزيسكو قبل موقعة الكونفدرالية    السياحة: تزايد أعداد السائحين البولنديين للمقصد المصرى بنمو 37% خلال 9 شهور    "النيابة" تستمع لأقوال المتهمين في واقعة قتل شاب بالدقهلية وإخفاء جثمانه 6 سنوات    أسماء مصابي مشاجرة الأسلحة النارية في أبو تشت بقنا.. إصابات بالغة بينها طلق ناري بالعين    ضبط 367 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح نارى فى حملة موسعة    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بين عائلتين بقنا    زيلينسكى يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة رشوة ال100 مليون دولار    فى ندوة اغتراب.. المخرج مهدى هميلى: أهدى هذا الفيلم إلى روح أمى    إكسترا نيوز من موسكو: العائلات وكبار السن من أبرز مشاهد انتخابات النواب    جامعة القاهرة: أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي    تعرف على سر سورة الكهف.. وفضل قراءة السورة يوم الجمعة❤️    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" أذكار الجمعة التي تغيّر يومك للأفضل    تليجراف: ستارمر على وشك الموافقة على إنشاء سفارة صينية عملاقة جديدة فى لندن    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    "المهن التمثيلية" تحذر من انتحال اسم صناع مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    تطورات جديدة في ملف تجديد عقود ثنائي الزمالك    في عيد ميلادها.. جارة القمر فيروز كما لم تعرفها من قبل.. تعتني بابنها المعاق وترفض إيداعه مصحة خاصة    "القومي لعلوم البحار" يشارك في وضع إعلان بليم للمحيط COP 30    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    يامال: أريد الفوز بكل شيء مع برشلونة    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    إنشاء محطة الصب الجاف النظيف بميناء الدخيلة.. صور    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    شهيدان بنيران الاحتلال خلال اقتحام القوات بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    بورصة وول ستريت تشهد تقلبات كبيرة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال بمرور 1700 على مجمع نيقية    ضجة بعد تحذير جنرال فرنسي من خسارة الأبناء ضد هجوم روسي محتمل    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    الصحة العالمية: اللاجئون والنساء أكثر عُرضة للإصابة ب«سرطان عنق الرحم»    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلامي متهم حتى تثبت براءته
نشر في المصريون يوم 28 - 07 - 2011

أتحفظ دوما على استخدام مصطلح (الإسلامي)، ذلك أنني ما استطعت أن أعثر على فارق واحد بين ما يعتقده (الإسلامي) وبين ما يعتقده (المسلم)، بالإضافة إلى أنني وجدت أكثر من يستخدمه –ربما لحاجة في أنفسهم، وربما تكون بغية عزل (الإسلامي) عن المجتمع- هم أناس لا يرتضون منهجهم ورؤيتهم، حتى صار المصطلح عَلَما على كل من دعا أو أصّل لتبني النظرة الشمولية للإسلام، ولتطبيقه في دنيا الناس، بدءا من سياسة الدولة وحتى معاملة الرجل لأهله في بيته، وليت الأمر اقتصر على مجرد عزلهم، ولكن انضم إلى ذلك السعي الحثيث إلى تشويه صورتهم، بحيث تقولها بملء فمك: قد لاقت هذه الطائفة من صنوف الافتراء ما لم تلقه غيرها ربما ولا بنو يهود، لا لشيء إلا لأن الله قدر –ابتلاء لعباده وتمحيصا- أن يقع الإعلام بأيدي من يريدون بشتى الطرق إقصاءهم، مع أنهم –أعني الإسلاميين- قد بُحت أصواتهم وصدحوا بها مرارا: "لا نحملكم قسرا على تبني مشروعنا، بل نعرض ما لدينا ولتعرضوا ما لديكم، والشعب سيختار في النهاية ما يراه الأقرب للصواب والأنفع للبلاد"، ولكن قد أسمعت لو ناديت حيا! وشيئا فشيئا، أضحى الإسلامي دوما متهما حتى تثبت براءته، ودونه ودون حكم البراءة خرط القتاد! إذ كيف تُبرّأ ساحتك، وخصمك هو الحكم؟
العجيب، أن بعض الإسلاميين أنفسهم صار لديهم قدر من التبلد تجاه هذا الظلم، أو قل: استعذبوا الظلم بعد أن وقع عليهم عقودا، فقد ألِفه الإسلاميون يوم كان يمارس بصورة أخرى –ربما أشد بغيا وقهرا-، حين كان الواحد منهم يوقن مع صباح أول يوم يدعو فيه إلى اتباع السنة وتبني النظرة الشاملة للإسلام أنه قد صار عرضة لأن يُستل من بين أهله وأولاده أو أن ينتزع من بين أحضان والديه في جوف الليل، مدانًا بشتى التهم التي سوف يتذرع بها جهاز أمن الدولة لرميه خلف القضبان، وذلك بعد فاصل من الصعق والجلد وربما السلخ! ووالله إنها لآهات وزفرات كتمتها صدورهم، وتالله ما لاقى أحد في هذه البلاد ما لاقوه، حتى صار كل بلاء بعده يسير!
وكان الإعلام –بمختلف صوره، لا سيما في حقبة التسعينات- يمهد ويسعى في إضفاء شيء من الغطاء الشرعي على هذا القمع منقطع النظير، فكان السيناريست الموهوب يؤلف الرواية، والفنان يبدع في عرضها على شاشات السينما، وضابط أمن الدولة يجرجر إلى غيابة الجب.
كنا نراهم يغضون الطرف عن كل فساد في البلاد، ويتقصدون هؤلاء الشباب ويقعدون لهم كل مرصد، فكل مجرم بريء وإن امتص دماء الشعب جهارا وبكل تبجح، بينما من دعا إلى الله –وافقناه في طرحه أو خالفناه - فهو أخطر خلق الله على أمن البلاد.
وإنا لنحمد الله أن ثبتنا، فلقد كدنا نركن إليهم شيئا قليلا، ولكنّ الله –وله الحكمة البالغة- قدّر عليهم لونا جديدا من البلاء، إذ صاروا فاكهة مجالس الغيبة والنميمة والبهتان على برامج الحوار وعلى المواقع الإليكترونية –وكأنه عقاب لهم أن تنسموا عبير الحرية كمنا تنسمه غيرهم-، بحيث لو خلا المجلس من افتراء عليهم لظننت أن أمرا غريبا قد طرأ، ولكن الذي لعله يخفى على البعض، أن أشد صور هذا البلاء إيذاء وجرحا لهم: هو ظلم ذوي القربى.
كم كان الواحد منهم يحزن إذا ما اعتقله ظَلَمَة أمن الدولة بدون وجه حق، ثم يبلغه أن جيرانه وخلّانه يتناولون أخبارا مفادها أن فلانا كان يخطط لعمل إرهابي أو شيء من هذا القبيل، مرددين ما يبثه ضابط الأمن وكأنه الصادق المصدوق. وكذلك، فإن ما يُقطّع نياط قلوبهم اليوم، أن يروا إخوانهم وأصدقاءهم ممن لا ينتمون لتيار بعينه يرددون كلام الإعلام الجائر، دون تمحيص ولا تثبت ولا حتى عرض على منطق العقل، فهذه والله إحدى الكبر..
وعلى الرغم من وجود قائمة طويلة من التهم التي كان من الممكن أن يُرمى بها الإسلاميون، إلا أن الإعلام ومن تأثر به ممن لا يتقي الله في إخوانه قد آثر أن ينتقي من بينها كلها تهمة (المتاجرة بالدين)، ولو كان المجتمع معتادا على استخدام مصطلح (النفاق) لبادروا بالتصريح به، وهي أشد التهم وطأة على القلوب، إذ أن المؤمن الصادق قد يتحمل شتى الافتراءات ومختلف الطعونات في عرضه، أما الرمي بالنفاق والغدر والخيانة، فلها وقع مختلف كما لا يخفى، وقد كان من أشد البلاء الذي لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم أن قيل عنه (ساحر كذاب)، ولذا فقد واساه ربه في أكثر من موضع، وهوّن عليه حين قال: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون).
وفي نظري، فإن أبلغ ما يبين مقدار الظلم الواقع على القوم، هي تلك الثنائيات التي تبين بلوغ القوم في التناقض منتهاه، لو تأملها منصف للاح له كيف جافى هؤلاء –عفا الله عنهم- العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فعلى سبيل المثال:
-مثّلت الأفلام والمسلسلات شتى التوجهات الفكرية والأخلاقية وأظهرت أصحابها في أبهى صورة، بينما لا تجد مسلسلا أو فيلما واحدا قدّم لنا رجلا متدينا ناجحا، بل إما (إرهابي) يفجر ويكفّر، أو (درويش) لا يفقه شيئا في دنيا الناس، أو (صاحب شركة توظيف أموال)، أطلق لحيته ليتاجر بالدين.
-حكم الاشتراكيون والقوميون وغيرهم البلاد من قبل، وأُعطوا الفرصة كاملة، وتفاوتت درجات نجاحاتهم وإخفاقاتهم، أما الإسلامي، فمحكوم على مشروعه بالفشل قبل أن يخطه على الورق.
-إن طرحت كل الطوائف رؤيتها للدستور كان ذلك رقيا حضاريا وإثراء للحراك السياسي، فإذا ما تهور إسلامي وطرح نموذجا لدستور إسلامي، صار على الفور واضعا لبذور الفتنة الطائفية.
-إن شارك الإسلامي في العمل السياسي كان ولا ريب طامعا في السلطة، وإن شارك كل الناس غيره كانوا أصحاب برامج نهضوية وغيرة وطنية.
-إن خرج مرشح إسلامي للرئاسة في حديث إعلامي، حُشر في خانة ضيقة وتوالت عليه أسئلة الإرهاب الفكري: هل كذا عندك حرام أم حلال؟ ألا ترى أن رؤيتك تكرس للتطرف والانعزال? كيف ستحل أزمة كذا وأنت تتكلم بالحلال والحرام؟ فإذا ما خرج مرشح غيره، فرشت له الأرض بالورود، وسئل عن برنامجه ورؤيته للنهوض بالبلاد، بل وقدمت له الأسئلة المفتوحة التي لو أجاب عليها بأي جواب لنال إعجاب الجمهور!
-فإذا ما تولى إسلامي الحكم، في مثل هذه الظروف العصيبة إلى أبعد حد، فحقق نجاحا نسبيا، فسوف يقال على الفور: ها قد فشلت تجربة الإسلام السياسي، فنحن (محلك سر)، فإذا ما تولى غيره، ولم يحقق مثقال حبة من نجاح، فسوف يقال: (قد ورث تركة مثقلة، وأصلح ما استطاع).
-إن رفض رأس طائفة الأقلية حكم المحكمة إذ تعارض مع عقيدته وشريعته، كان الإنصاف يقتضي أن نحترم رأيه بل ونثني على حزمه وجده في نصرة شريعته وإن خالفناه فيها، فإذا ما نادي إسلامي بإسقاط كل قانون يخالف شرعة الله، -والإسلام دين الأغلبية- كان متعصبا متشددا رجعيا فاته قطار الحضارة.
-إذا ما أخطأ شيخ على قناة إسلامية في حق رمز ليبارلي، توعده بحرب ضروس وصرح بسعيه في إغلاق القناة! فإذا ما تواطأت قنوات الأرض جميعها على تشويه صورة الإسلاميين، كان ذلك من قبيل: (منبر الرأي والرأي الآخر!).
- إن دعا إسلامي إلى التظاهر مرة في العام: قالوا سيخرّب البلاد ويعطل الإنتاج، فإذا ما دعا غيره إلى التظاهر بصفة شبه (أسبوعية)، كان مناصرا للحرية حريصا على مكتسبات الثورة، وكان التظاهر حقا مشروعا ما لم يضر.
-إن رفع الإسلامي مطالبه التي يرى فيها صلاح البلاد، صار مفرقا للجماعات مرسخا للشقاق، فإن رفع غيره مطالبه الخاصة، قيل: وما الضير، له مطالب يسعى لتحقيقها بالوسائل المشروعة، والتظاهر من الوسائل المشروعة!
-فإن رفع الإسلامي المطالب التوافقية التي يحلم بتحقيقها كما يحلم غيره من المصريين، صار على الفور متاجرا بها، متلاعبا بعواطف الشعب، وإن رفع غيره نفس المطالب كان ساعيا لتوحيد الصف.
-إن طالب الإسلامي باحترام رأي الأغلبية صار متهما باستغلال الديمقراطية لتحقيق مآربه، وإن طالب غيره بتهميش رأي الأغلبية كان الأدرى بمصالح (الغلابة المستغفلين)!
-إن جاء سياسي بما ينافي كل الأخلاق: قالوا وأي علاقة بين السياسة والأخلاق، ثم هو بشر يصيب ويخطئ، وإن أخطأ إسلامي: قالوا على الفور: هذا الذي يريد أن يسوس الناس، انظروا إلى أخلاقه وكيف يعامل غيره!
-إذا ما ظهرت التوقعات –فقط توقعات- بفوز الإسلاميين في انتخابات نزيهة للبرلمان يعلن فيها الشعب عن اختياره، بنسبة تمنحهم الأغلبية في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، ظهر الاعتراض: كيف تستأثر جماعة بعينها بوضع الدستور، فإذا ما استأثر أفراد معدودون لم يختر الشعب واحدا منهم بصياغة مواد حاكمة غير قابلة للنقض تخضع لها كل مواد الدستور ولا تخضع لاستفتاء الشعب، كان ذلك سعيا (للوفاق الوطني)!
-إذا تكلم شيخ في السياسة بكلام مجمل متفق عليه، قالوا: (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب)، فإذا تكلم فنان أو روائي مثلا في أدق التفاصيل السياسية في البلاد، كان مثقفا واسع الاطلاع.
-الإسلامي موضوع تحت المجهر في كل تصرفاته وأيا كان تخصصه، مُطالب دائما بأن يكون في تعاملاته المالية والاجتماعية وفي حياته كلها ملكًا يمشي على الأرض، فإذا ما دعاهم الإسلامي إلى تطبيق الشريعة في جميع مجالات الحياة، قالوا: ربك رب قلوب، والدين علاقة بين العبد وربه.
-إذا ما قام حزب ذو مرجعية إسلامية، قالوا لا يصح قيام الأحزاب على أساس ديني، فإذا ما قام حزب يساري أو ليبرالي، قالوا: وما الضير، فكلما كان المتحزبون أكثر توافقا في الأفكار: كان ذلك لإنجاح مشروعهم أقرب.
-إذا ما انتقد إسلامي منهجا يراه مخالفا لرؤيته: قالوا (إقصائي لا يرضى بغيره)، فإن رمى غيره الإسلاميين كافة بكل نقيصة، من تطرف وتشدد ورجعية، فقيل له: أنت بهذا تحرض عليه وتقصيه! قال: إنما أحذر من التطرف والإقصائية!
-إذا ما دعا الإسلاميون إلى حشد الناس للدفاع عن إرادة الشعب التي لا ترضى تعديا على جناب الشريعة: صاروا أهل فتن وقلاقل، فإذا ما دعا غيرهم إلى تدخل أمريكا وإسرائيل لحماية مصر من بطش الإسلاميين، دوفع عنهم، والتُمس لهم العذر أن قد لقوا من التهميش ما لا يليق!
-يحاكم الإسلاميون دائما إلى تجارب (إيران) أو(السعودية)، فيقال: (أهذا هو نموذج الحكم الإسلامي؟ أتريدون ترسيخا للديكتاتورية؟) فإذا ما حاكمت ليبراليا إلى تجربة أمريكا وإمبرياليتها التي استعبدت بها العالم بأسره، قالوا: (نحن في مصر، ولكل بلد ثقافته وظروفه، فمالي ولأمريكا؟!) و(صلاح المنهج لا يستلزم وجود النموذج الصالح في كل وقت).
-إن أخطأ إسلامي على شاشات الإعلام، تحمل الإسلاميون كلهم وزر خطئه، وإن أخطأ غيره: فلا يمثل إلا نفسه، ويكون التعميم عين الظلم.
-إن أخطأ شيخ في مسجد مغلق، تناقلت وسائل الإعلام خطأه ليدخل كل بيت، وإن أخطأ غيره ربما بما هو أشد إيذاء لمشاعر الناس على شاشات الفضائيات، غُض الطرف عن خطئه خشية إثارة الفتن في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد.
-يحاكم الإسلاميون إلى بعض الممارسات التي قام بها من سبقهم في الثمانينات مع أن أحدا منهم لم يقرها، فإذا حاكمت غيرهم لممارسات سلفهم ممن تبنوا أيديولوجياتهم في أوائل القرن العشرين قال: اسألني عن نفسي، فإنه (لا تزر وازرة وزر أخرى).
-إذا فاز الإسلاميون في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، صاروا أهل تدليس واستغفال لجهلة العوام وفقيري الثقافة، وقيل: ليس هذا تعبيرا عن وزنكم الحقيقي، فإذا ما سألت صاحب هذا الادعاء: وهل من الممكن أن يستغفل الإسلاميون طبقة المثقفين، فيفوزوا بمقعد نقيب الصيادلة مثلا، قال: وارد أيضا، ولكن بطرق أخرى لا أعلمها.
-إن أخطأ إسلامي، صار المنهج ذا خلل يخرج دائما منتجا مشوها، فإن أخطأ غيره، رُفع على الفور شعار: (المنهج صحيح متكامل، والفرد غير معصوم من الخطأ).
السؤال الخطير الآن: لماذا هذا الارتباط عند القوم بين الدين وبين هذه التهم؟ هل المراد تنفير الناس من (المتدينين) أم من (الدين)؟ هل الهدف أن يقال: إن الإسلام دين نظري، أفكار وقيم سامية، لكنه غير صالح للتطبيق في دنيا الناس، وإلا فأخرجوا لنا نموذجا يحتذى؟!
الإسلامي عند القوم –سامحهم الله- لو حك رأسه لاتهم بحك الرأس مستغلا الدين لتحقيق مصالح شخصية، وإنك لتعجب: إن كان الأصل أن يُحكم بالنفاق على كل من يظهر الدين ويدعو إليه، فأين الصادقون المخلصون المتدينون الخلص؟!
أخبرونا يا عباد الله كيف ندعو إلى الدخول في السلم كافة كما أمرنا ربنا، بدون أن نُرمى بالنفاق والمتاجرة بالدين؟
أشيروا علينا: كيف نساهم ف بناء مصرنا الجديدة، دون أن نوصم بالغدر والخيانة؟
هل لديكم نموذج لمسلم التزم شرع ربه وجاهد في الدعوة إليه، وما تاجر بالدين أو استغفل خلق الله؟
للأسف، هم يريدون مسلما يتعبد الله في بيته أو مسجده لا يراه مخلوق فضلا عن أن يسمع دعوته، فإذا خرج داعيا لتحكيم الشرع في معاملات المجتمع وفي سياسة الدولة، فهو مسيلمة القرن الحادي والعشرين.
أي ظلم هذا وأي قهر هذا؟
أي فارق إذاً بين فعلهم –سامحهم الله وأصلح حالهم- وبين فعل قريش، حين ساءهم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى إله واحد، فقالوا هذا شيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم، (إن هذا لشيء يراد)، ما هذا لوجه الله أبدا، بل لأمر يريده محمد يوشك أن يفتضح أمره!
فعلوا ذلك، وقد علموا أنه أصدق الناس قولا وأعف الناس لسانا وأكثر الناس حرصا على مصالح الخلق، حتى حطمه الناس، صلى الله عليه وسلم.
الإسلاميون ليسوا معصومين، ومن ادعى ذلك فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان، ولكن اتباع المنطق السليم يصل بنا –ولابد- إلى نتيجة، هي أنه طالما كان الدين مهذِِّبا للأخلاق مزكِّيا للنفوس محسِّنا للمعاملات، فطبيعي –وهذا واقع- أن تتضاءل مخالفات من حاول تطبيقه –كما وكيفا- مقارنة بمخالفات غيره، وإن كانت ستظل موجودة بقدر، فكيف يعكس الأمر بالكلية، ويبلغ حد (الاقتران الشرطي)، بحيث لا يُذكر المتدين إلا وتذكر المخالفات الأخلاقية؟!
هذا والله ظلم لا يقوى صاحبه على تحمل تبعاته لا في الدنيا ولا يوم يعرض على ربه، وهو أبلغ إساءة للدين الخاتم الذي رضيه الله لعباده.
يا أفاضل..والله ما خرج الإسلاميون يوم خرجوا يدعونكم ويطرحون أمامكم رؤيتهم إلا تأسيا بأنبياء الله، متمثلين قول ربهم حاكيا عن نوح عليه السلام: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم)، هذا والله هدفهم، وهذه غايتهم التي أعلنوها، سعادة الناس ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فإن حاد عن الطريق أحدهم، فلكم في يوسف عليه السلام أسوة حسنة: (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متعانا عنده إنا إذا لظالمون).
إن كان الإعلام قد آثر سلوك هذه الطريق، فأقسمنا عليكم معاشر المسلمين لسلكتم طريق التثبت والتبين وتقديم حسن الظن، قبل أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
أما الإعلام، فقسما بالله العظيم، إنه لن يفلح يوما في أن يزيل التدين من الوجود، بل إن جذوره تتمادى ضربا في باطن الأرض كلما زاد بغي خصومه، والله يحكم بيننا وبينهم يوم القيامة، وإنا أو إياهم لعلى هدى أو في ضلال مبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.