تعرضت كرة القدم، تلك اللعبة الشعبية الجميلة التي ليس منا معشر المصريين من لم يمارسها بقدر أو بآخر، للكثير من السباب والقذف بعد تلك الأحداث الأسيفة التي جرت عقب مباراة مصر والجزائر في السودان. ويشهد الله أن الكرة بريئة من هذه الأحداث، بريئة ممن افتعلوها، وبريئة ممن اتخذوها مطية لتحقيق أغراض خبيثة لا تخفي إلا على جاهل ولا يرضاها إلا منافق فاسد. الأمر لا يتعلق بقريب أو بعيد بكرة القدم، فهي رياضة تمارسها الشعوب، ومنها العربية، منذ عشرات السنين، وتتنافس في ملاعبها على الألقاب والكؤوس، بل وتتناحر جماهيرها من حين إلى حين نصرة لفريق على فريق أو إعتراضاً على قرار حَكَمٍ على أرض الملاعب. فما الذي جعل أحداثها تتصاعد إلى تلك الأزمات السياسية القومية التي قُرعت فيها طبول الحرب وتعالت صيحات الثأر، من قِبَل ورثة القيادة السياسية المصرية وخدامها، ودعم الصحافة السوداء والفضائيات العلمانية، قبل الجماهير الغافلة عما يراد منها وبها. الموضوع هنا يتلخص في أمرين، أولهما هو تلك الإرادة الخبيثة التي لا تنام أعين أصحابها عن التخطيط لسلب هذا البلد ما تبقي فيه من خير وإتخاذ هذا الوطن رهينة لمشروعات شخصية ومصالح مادية لورثة القيادة السياسية وحجّابها وسدنتها من أهل النفاق ومساوئ الأخلاق، ليس إلا. والأمر الآخر هو تلك المشاعر الخبيئة في نفوس الجمهور من أفراد هذا الشعب، والتي، وإن عرفت عدوها الحقيقيّ في اللاوعي، لم تقدر على أن تفرز هذه الكراهة له ولسدنته، فإنحرفت بها العاطفة العوجاء إلى عدو لا تأخذه في عداوته لومة لائم. عدو كروىّ عربيّ، لا عدو سياسيّ داخلىّ، أو صهيونيّ صليبيّ خارجيّ، فمثل هذه العداوات لا تجلب إلا البطش بأصحابها. وقد إتحد الأمران، بفعل فاعل، حيث تمّ توجيه هذه المشاعر الجماهيرية إلى الصبّ في قنوات المدّ السياسيّ التوريثيّ لتكون مقدمة شرعية على إتحاد الحاكم والمحكوم في حب الخير لمصر والحرص على كرامتها، المتمثل في مكاسبها الكروية، وكراهة أعداء مصر من الكرويين العرب! ولكن، هيهات أن يمر مثل هذا السيناريو الرخيص على من له من العقل مثقال ذرة أو أقلّ. فإين الحرص على كرامة المصري في بلده وبين أهله وهو الذي يداس تحت الأقدام كلّ يوم، بل ويراق دمه ليحصل على رغيف عيش في طوابير المخابز؟ واين الكرامة المصرية في السعي على الأقدام ليالي وأيام، بل سنين واعوام، للحصول على وظيفة قد لا يهيؤ دخلها ما يسد الرمق من الطعام؟ أين كرامة المصريّ الذي يُضرب بالأحذية من رجال الأمن في الأقسام؟ أين كرامة المصري الذي ساد الفساد أرضه وتوقف مدّ التقدم العلميّ و التوسع الزراعيّ و الهيكل الصناعيّ لحساب الأمن الداخليّ السياسيّ؟ أين كرامة المصريّ وقد قامت على إفساده شياطين الإعلام ليل نهار، أُهدرت أمواله في مهرجانات باسم الفن، وأنفقت على جوائز قمنية تكرّم من إستهزأ بالله ورسوله؟ أين الكرامة المصرية وجند بلادنا تحبس أهل غزة وتمنع عنهم الغذاء والدواء؟ اين الكرامة المصرية التي أُهدرت في إتفاقية كامب داوود، التي لا تزال بنودها المهينة مسلّطة على أعناق كلّ مصريّ، رمزاً للمهانة والعار؟ والعجب إنّ هؤلاء الذين تصدروا موجة الغضب لكرامة المصريّ والكراهة للعدو الكرويّ العربيّ، همُ همُ الذين أهدروا هذه الكرامة وجلبوا علي المصريّ العار في كلّ مجال، وأهدروا الأموال، وأشاعوا الفساد بين العباد! ثم من بعد ذلك: قالوا هراءاً وسلوا السيوف وقالوا صدقنا؟ فقلنا :نعم الكرامة المصرية هي من الكرامة الجزائرية، والعكس، فجنسيتنا المشتركة هي إسلامنا الذي يوحّد صفوفنا وقلوبنا ويجمع بيننا على الخير، هذا القدر من الكرامة لا يمكن لسدنة السياسة ومنافقيها وورثتها أن يسلبوننا إياها .. ولو من وراء ستار كرة القدم المظلومة ظلم شعوبنا المقهورة.