الأزمة الأخيرة مع الجزائر، لم تكن فقط "كاشفة" واختبارا حقيقيا ل"مشروع التوريث" وإماطة اللثام عن "وزنه" الحقيقي، وفحواه في "تهييف" البلد وتحويلها إلى "مسخرة" وموضوع للتنكيت والتبكيت في آن واحد.. وإنما ساهمت في خلع ملابس البعض قطعة قطعة.. وتعريتهم تماما أمام الرأي العام. الأزمة قطعت بأن البلد في خطر حقيقي لا يمكن تجاهله أو السكوت عليه، حال انتصر مشروع التوريث وتم تمريره مستغلا هذه اللحظة التاريخية والرأي العام كله مستسلم لهذه "الغفلة الجماعية" ومساق بلا وعي وراء معركة "الكرامة" المزعومة. المقلق فعلا .. أن خيار التوريث لم يعد محض "أمنية عائلية" في البيت الرئاسي، إذ أظهرت أزمة ما بعد مباراة أم درمان يوم 18 نوفمبر الجاري، أن الخيار تقف وراؤه قوى مالية وإعلامية جبارة وعاتية وغالبيتها مخترقة وفاسدة ومعادية لعروبة مصر وإسلامها، وقادرة على سوق المجتمع نحو "بيعة عرفية" جماعية للوريث، وأن من كانوا يمثلون علينا دور "المعارضة" لتوريث السلطة، اكتشفنا أثناء الأزمة بأنهم "سدنته" وحراسه المختفون خلف "ظل المعارضة".. وإذا كانوا "يعارضون" توريث جمال مبارك، فلا مانع عندهم من "توريث" شقيقه الأكبر علاء.. بعدما انتصر الأخير في معركة "الكرامة" التي فشل فيها شقيقه الأصغر! الخطورة هنا تتعلق بمشروع كامل، يحمل رؤية مغايرة ومناهضة لما استقرت عليها الجماعة الوطنية المصرية، منذ نشأة مصر الحديثة في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، على يد الجيش المصري في عهد محمد علي.. بل إن هذا المشروع يعتبر تحديا سافرا للمضمون الأيديولوجي للعقيدة العسكرية المصرية التي تستقي منها الدولة سيادتها الوطنية غير المستقلة عن العروبة والإسلام.. وهذه هي النقطة الخطرة..أو قل "الكتلة الحرجة" التي وضعت أزمة "أم درمان" مصر على محكها الصعب، أفضت إلى تعزيز المخاوف والقلق من انتصار مشروع التوريث بكل حمولته "المرعبة" و"الكارثية" على دور مصر العربي والإقليمي، ما يحيل بالتبعية إلى حالة صدام بين مشروعين : "التوريث" الذي يستقي شرعيته من التغريب والفرعونية.. و"حركة يوليو" التي تستقي شرعيتها من العروبة والإسلام، في وقت تعالت فيه أصوات لشخصيات أكاديمية ومتخصصة في العلوم السياسية ترى أن الخيار الأخير هو "البديل" أو "المنقذ" من "تهييف" البلد حال انتصر خيار التوريث والذي ظهرت ارهاصاته بشكل فج وصريح خلال الأزمة الأخيرة بين القاهرةوالجزائر.. وربنا يستر. [email protected]