إذا تتبعنا ما يكتبه صحفيون يهيمنون تماما على سوق ال"توك شو" في مصر، بشأن حادث كنيسة "القديسين"، ستجد عقلا تائها لا يكاد يرى أمامه أكثر من موضع قدمه! ستجد أفيهات جاهزة، وكلاما معلبا، ليس إيثارا للراحة، أو كسلا مهنيا، وإنما يرجع إلى رصيد الخوف والحذر غير المبرر الذي سجن الزملاء الصحفيون أقلامهم داخله، قلقا من المس بالكنيسة أو بالحالة القبطية عموما، باعتبارها ملفات لا يجوز فتحها باعتبارها مصدرا للفتن الطائفية.. ما خلف طبقة مثقفة غير مؤهلة أو مدربة على التعاطي مع الاحتقانات الطائفية، إلا عبر "الطبطبة" و"التدليع" والتخفي خلف الشعارات المتداولة والتي لم تعد غير أداة للهروب من المسئولية المهنية والوطنية. الزملاء العاملون في برامج ال"توك شو" اليوم، يسددون فاتورة منطق "الإرجاء" وغض الطرف عن الملف القبطي، والتعامل معه باعتباره موضوعا فقط ل"إعلام المناسبات" حتى لو كانت المناسبة حادثة مروعة ودموية مثل حادث كنيسة "القدسين". غياب الخبرة المهنية للعاملين في مثل هذه البرامج، أحالهم إلى صيد سهل، لمقاولي الفتن وأثرياء الحروب الطائفية، ممن ترتفع "أتعابهم" بحسب عدد الرؤس المقطوعة والجثث المجهولة ، وكتل اللحم المتناثرة على الأسفلت وعلى الجدران. مشكلة هذه البرامج، أنها في غالبيتها باتت مخطتفة من قبل مؤسسة صحفية واحدة، محكومة بسلطة مال التطبيع المختلط بالمال الطائفي، ولا يمكن بحال أن نتوقع خيرا من عقل مهني ارتهن إلى مثل هذا السلطة، ولكن ما نتوقعه منها هو صوغ جماعات ثقافية وحقوقية واعلامية وصحفية معادية للمشروع الوطني ورموزه وقياداته.. ولعل المراقب يلحظ بسهولة ويسر، اجترار غالبية هذه القنوات للموضوعات والضيوف والأفكار بكل تفاصيلها ومفرداتها، لأن العقل المحرك لها واحد وهدفه وأجندته واحدة. ليسوا سواء.. بعض هذه البرامج مهم ومفيد وإضافة "إنسانية" للمجتمع، وبعضها الآخر بات أداة لتأديب الخصوم والمخالفين وتهميشهم وتمرير أجندة الطبقة المرتهنة بالخارج وتدريب الرأي العام وتهيئته للقبول بفكرة "التوريث" وتحويل هذه الفضائيات إلى مناطق مغلقة على شلة معينة حيث وزعت "الحقائب" الفضائية على أعضائها الذين نزعت عنهم صفة "صحفي" واطلقوا عليهم صفة "إعلامي" وبإلحاح يعكس توجها يهدف إلى صنع "رحم غوغائي" جديد وخاص ومهيأ لاستقبال "نطفة التوريث". بعد حادث "القديسين".. ظهرت غالبية تلك البرامج بشكل بائس وغير مسؤول إلى حد بعيد، حيث عالجت الأزمة باعتبارها حادثا طائفيا.. وشرعوا في تقديم الأغاني الوطنية واجترار الكلام الممل عن خالتي تريزا وعمو جرجس .. كل يروي سيرته الذاتية مع صديقه أو جاره او زميله المسيحي.. فيما كان الحادث جنائيا وإجراميا وليس له أية علاقة بالطائفية.. بل توجد شبهات جادة بتورط تنظيم قبطي مهجري متطرف بالتنسيق مع الموساد في الحادث.. ما جعل مضمون برامج التوك شو، تحلق في سياق منفصل وبعيدا عن أصل الموضوع وفحواه الحقيقي. لا نريد أن نظلم هذه البرامج او أن نحاكمها.. فهي جزء من سياق مصري عام، بات من البؤس والترهل ومن العته والتخلف العقلي ما يبعث على الاحساس بالخجل وما يجعلنا نشعر بالرعب مما يدخره لنا رحم الغيب من مفاجآت. [email protected]