الحرب التي تدور رحاها اليوم في جنوب المملكة العربية السعودية و شمال اليمن و رغم ضآلة التحليلات المكتوبة في وسائل الإعلام تثير في النفس السؤال الذي طرحته كعنوان. منطقياً أجد انه من الصعب ان نتفهم ان تتصدى جماعة متمردة (أو أياً ما كان وصفها) لقوات جيشين محترفين في آن. كما ان مدى مهارة و حرفية المتمردين تثير الشك كثيراً في وجود أصابع إيرانية في الموضوع خاصة بعد ان طفت على السطح مؤخراً انباء نفي الزعيم الروحي لحركة الحوثيين - الشيعية الزيدية - أنهم تحولوا للمذهب الإثني عشري. إحتمالات وجود دور إيراني في الأحداث كبيرة كما ان التصريحات الديبلوماسية لوزير الخارجية الإيراني (متكي) تمثل تغطية سياسية للحركة المتمردة. إيران تحاول الأن ان تعيد في جنوب المملكة نفس السيناريو الذي نفذته بدقة و نجاح في الشمال حيث لبنان في محاولة لتطويق المملكة العربية السعودية و تحجيم نفوذها السياسي و تأثيرها الخارجي بعد ان إستطاعت ان تحد من دور مصر في منطقة الشام عموماً و سوريا و لبنان خصوصاً. الملاحظ ان الولاياتالمتحدةالأمريكية (و الغرب عموماً) و تبعاً لنظريتها الثابته من حيث انها تؤمن بفن "إدارة الأزمة" بدلا من أسلوب "حل الأزمة" لتتمكن من إستغلالها لصالحها لم تبد أي تصريح يفهم من خلاله تأييدها أو رفضها لما يحدث في المنطقة بل فقط قامت بالتوقيع على بروتوكول أمني مع اليمن تقوم بموجبه بمد اليمن بمعلومات إستخبارية و عمليات تدريب للقوات (إدارة الأزمة) و أجدني هنا مدفوعاً دفعاً لتفهم ما يحدث على انه إستعراض قوة من إيران للتدليل على قدرتها على السيطرة على منطقة الخليج بالكامل إذا ما إستطاعت ان تثبت ان أكبر دولة عربية على الخليج غير قادرة على الدفاع عن حدودها و ما يعنيه هذا من أنها غير قادرة على حماية المصالح الغربية ذاتها في هذه المنطقة الحيوية. الولاياتالمتحدة يهمها بل من أولوياتها و بدهياتها السياسية أن لا تكون مصادر البترول في الخليج في يد دولة واحدة و إيران تحاول ان تقدم الضمانات تلو الضمانات بأنها لن تشكل أي تهديد للمصالح الأمريكية (الغربية عموماً) في المنطقة خاصة التدفقات النفطية كما انها تحاول ان تثبت للجميع انها الدولة صاحبة اليد الطولى و الكلمة النهائية في منطقة الخليج. من أجل هذا تقرر إيران ان تثير المشاكل الأن في المنطقة مستغلة نفوذها الديني في اليمن عن طريق وجود بغض جماعات الشيعة الزيدية بها. بل إنها و في جميع الأحوال قد نجحت في وضع اللبنات الأساسية لبناء مؤسسة عسكرية في اليمن مماثلة لمؤسسة حزب الله خاصة بعد ان اثبت المتمردون انهم على قدر عال من التنظيم و التدريب. المشكلة أن السيناريو قد تمت إختيار احداثه بعناية فائقة بحيث يكون في اليمن بالذات بما يمثله من "بروفة" مصغرة لما قد يكون عليه الحال لو قامت حركة تمرد مماثلة في المنطقة الشرقية بالمملكة السعودية و التي نعرف جميعاً ان بها أغلبية شيعية لا يستهان بها. ما لا تفهمه إيران انه من المستحيل ان تقبل الولاياتالمتحدة بأن يرتهن مصير الخليج بيد دولة واحدة كما و انه بعد ان ثبت للولايات المتحدة قدرة إيران على السيطرة على منطقة الخليج بالكامل (وهو ما ظهر بوضوح عن طريق المساعدات الإيرانية للولايات المتحدة و التي أوضحت بجلاء إلى أي مدى قد وصل النفوذ الإيراني في المنطقة) فإن الولاياتالمتحدة لا يمكن لها أن تقبل بموقف كهذا لمدة طويلة إذ انه و ببساطة ضد مبدأ أساس من مبادئها حتى و لو تحدثت النقارير الصحفية عن إنحسار الدورين المصري و السعودي في المنطقة خاصة فيما يتعلق بحل المشكلات التي طرأت على ساحة الشرق الأوسط خلال العقد الحالي و إنتقال أوراق اللعب القوية إلى يد جماعات سياسية (و مسلحة) كحزب الله و حماس (نحن نتحدث عن إيران ثانية!) من هنا فإننا يمكن ان نتفهم إصرار النظام الإيراني على المضي قدما في برنامجه النووي غير عابئ بأي تهديد محاولاً ان يكسب من الوقت أكبر قدر ممكن حتى يصل إلى هدفه النهائي بإنتاج السلاح النووي كما انه و بهذا المنطق (إن صح) يمكن ان ندرك ان التقارير التي تتحدث عن ضربات إجهاضية لقدرات إيران النووية هي تقارير لها وجاهتها و صحتها حتى و إن ساورنا الشك فيها لما نعلمه (وقد يصل إلى يقين) بوجود علاقات سياسية "سرية" بين إيران و الولاياتالمتحدة وهي العلاقات التي يمكن ان ينظر إليها كخط ساخن بين الطرفين يمكن من خلاله ان يتحسس كل منهما نبض صاحبه. ما يجب ان تنتبه له المملكة العربية السعودية (و أعتقد انها تعلم ذلك جيداً) ان مكانتها السياسية على الساحة العالمية على المحك كما و ان أمنها يستدعي ان تحتاط لنفسها و أن تستعد لعدة مواجهات مسلحة (محدودة) في أماكن متفرقة في أن واحد. Masry in USA