سوف تبقى الثورة المصرية معجزة القرن الواحد والعشرون بكل المقاييس, فإنها لم تذهل العالم وحسب بل واهلها ايضا بالطريقة التى تمت بها. ولكن بعد ان استفاق الجميع من لحظة الذهول , عكف الكل على اعادة حساباته ودراسة نتائجها وتأثيرها على مصالحه سواء على المدى القصير او البعيد. وللأسف فإن المؤشرات الاولية للنتائج المترتبة على الثورة المصرية اعطت الكثيرين الاحساس بان نجاحها سوف يضر بمصالحه عاجلا او آجلا ولذلك كان لابد من العمل على افشالها وليس هذا من سيناريو المؤامرة ولكن من سيناريو التخطيط لتحقيق المصالح الخاصة بكل طرف . ولكى نتصور سويا لماذا ادت المؤشرات الاولية لنتائج الثورة المصرية هذا الاحساس بالخطر. أولا: أنها اتت بجماعات الاسلام السياسى( كما يطلقون عليها!) الى سدة الحكم مما يثير المخاوف بشدة من نظرية عودة الخلافة الاسلامية, ويمثل تهديدا حقيقيا على وجود بعض الاطراف الاقليمية التى زرعت بالمنطقة , وتقويضا فعليا لهيمنة بعض الاطراف العالمية واستمرار سيطرتها على مصائر ومقدرات شعوب المنطقة بأسرها. ثانيا: انها اثارت رعب كثير من الانظمة الحاكمة بدول المنطقة بان تنتشر عدوى الثورة الى شعوبهم وتنقلب عليهم واعتبروا ان نجاح الثورة المصرية سوف يؤدى لامحالة الى زوال ملكهم. وبدلا من ان يحاولوا اصلاح العلاقة بينهم وبين شعوبهم ورفع كل مظاهر الظلم والقهر والفساد حتى لايثور شعوبهم , اجتهدوا فى افشال الثورة المصرية اعتقادا منهم بانه اذا فشلت, سوف تخمد الروح الثورية بالمنطقة وتعود الشعوب للخنوع وعدم التطلع للثورة عليهم مع استمرارهم فى فسادهم. ثالثا: أن هناك بعض من ينتمون الى اتجاهات فكرية تحررية او يسارية لديهم عداء شديد ضد اصحاب اتجاه التيار الاسلام السياسى سواء من الناحية الايدولوجية او التاريخية وعندهم استعداد لان يعيشوا تحت اى نظام الا حكم الاسلاميين كما يطلقون عليهم!!. رابعا: أن هناك مجموعة لابأس بها من الذين استطاعوا ان يتغلغلوا فى مفاصل الدولة ويسيطروا على جزء كبير من مقدراتها لمصلحتهم الشخصية على مدى العقود الطويلة للنظام السابق ويتعايشوا وينتعشوا فى ظل الفساد. وأصبحت الثورة تهديدا مباشرا لزوال نظامهم الذى جبلوا على العيش فى ظله و حتى من لايخاف ان تطوله المحاسبة على الفساد يرغب فى افشال الثورة من خوفه ان لايستطيع التعايش مع النظام الجديد. خامسا: أن هناك جيل جديد قديم؟! ممن من يؤمنوا انه لايمكن التقدم الا بالتحرر المطلق من القيم والاخلاق وتربوا على ان الذين يمثلون الدعوة الى التمسك بالقيم والاخلاق انما هم متخلفون ووصولهم للحكم انما هى عودة بالبلاد الى عصور الظلام. ولذلك يرفضون, بدون ادنى درجة من التفكير او التعقل فى انتظار نتيجة حكم الآخر, لوجوده اصلا فهو بالنسبة لهم كائن متخلف . ولذلك فإن هذا الفريق يشارك فى افشال الثورة رفضا لنتيجتها المباشرة من وصول المتخلفين!! الى الحكم وليس للثورة فى ذاتها. سادسا: ناهيك عن الارتباك الشديد الذى اتسمت به بداية ادارة البلاد نتيجة عدم التمرس فى الحكم والتربص الشرس منذ الحظة الاولى والذى اصابها بعدم التوازن واعطى البعض الزريعة للاقتناع ولاقناع الاخرين بانه لابد من العمل على افشال الثورة والعودة الى المربع صفر. . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]