تغيرت فجأة معالم الشارع المصري فأصبحت لا ترى سوى الأعلام المصرية فى كل مكان أمام المحلات التجارية فى شرفات المنازل على السيارات .. ، هتاف (مصر مصر) يدوى فى كل الجنبات ، النساء والرجال والأطفال يرسمون على جبهاتهم علم مصر ، صوت المطربة الشهيره شادية يشدو يا حبيبتى يا مصر يا مصر من البيوت السيارات حتى التوكتوك جميع الفضائيات المصرية بجميع برامجها وضيوفها يتغنون باسم مصر حتى وصل الأمر ببعض الفضائيات أن تعرض موسيقى المسلسل الشهير رأفت الهجان والذى ارتبط فى أذهان المصريين بأعلى درجات العطاء والبذل للوطن مصاحبا لصور رجال الموقعة القادمة - أعضاء المنتخب الوطنى – مواطن لا يملك ثمن رغيف العيش يدفع كل ما لديه لشراء علم أو حتى شراء بعض المفرقعات للاحتفال بعد النصر ، رجال أعمال يشيدون شاشات للعرض وأماكن مناسبة لمشاهدة الأحداث الحاسمة ، مظاهر توحى بوطنية لا تجد لها نظيرا فى تاريخنا منذ حرب السادس من أكتوبر السبب ببساطه هو فعاليات حسم تذكرة التأهل لنهائيات كأس العالم بين منتخبى مصر مع الجزائر !!! حاولت أن أجرب التقليل من الأمر على الملأ ففعلت ذلك بين زملائى فى العمل فإذا بى أقل الناس حبا لمصر وصاحب أجنده خارجية تعادى الوطنية لصالح أغراض شخصية حتى قام أحد الزملاء صارخا فى وجهى (هتفوز مصر بالغيظة فيك وفى كل اللى زيك) .. غاب المثقفون والعقلاء والسياسيين والنخب عن منصة توجيه الرأى العام لصالح الممثلون والمطربون ولاعبو كرة القدم ليحدد معالم السياسة الخارجية المصرية أناس على وزن مطربى العنب العنب ، عموما كان هذا هو المشهد قبل موقعة أم درمان ، وبعد هزيمة المنتخب المصرى (التى لم نكن نتمناها) وما صاحب ذلك من أحداث فى السودان إذا بهذه الحالة المفرطه فى حب الوطن تأخذ منحا آخر فالجميع يطالب بالثأر لكرامتنا المهدرة من هذه الدولة المعادية وشعبها الناكر للجميل .. الفضائيات حولت دفة الحوار من الشحن للتشجيع إلى الشحن بالانتقام من الجزائريين والضيوف فى مزاد مفتوح كل يزايد على غيره فى الانتماء وحب الوطن والغضب لأجله ، الصحفيون يكتبون على صفحات الجرائد عن الأم التى ضحت وبزلت ونُكِر فضلها من صغارها ، الأمر الذى دفع الجماهير الغاضبة إلى محاولة اقتحام السفارة الجزائرية بالقاهرة ، هذه الحالة المفرطة فى حب الوطن - والتى ظهرت فجأة - بسبب مباراة كرة قدم المجتمع فى أشد الحاجه إليها منذ عشرات السنين ، ولكن السؤال الهام هل يستطيع الإعلام بمنصة توجيهه الحالية أن يحشد طاقات هذه الجماهير وأن يوجه إنفعالاتها تجاه قضايا هى لا شك أهم وأخطر بالنسبة للجميع سيما رجل الشارع الذى يعانى من عشرات بل مئات المشكلات التى لايرى لها أملا فى العلاج ، كيف لو ظهرت وطنية الجماهير فى الحفاظ على ممتلكات الوطن من وسائل للمواصلات ومؤسسات وشوراع وكهرباء ومياه .. ، كيف لو ظهرت وطنية الجماهير فى الغضب عندما تنتهك حدودنا الشرقية ويقتل جنودنا ، كيف لو ظهرت وطنية الجماهير عندما يقتل منا المئات فى القطارات أو العبارات ، فالمواطن الذى يسطو على المال العام هو نفسه صاحب العلم والأغنية والهتاف والصواريخ والبمب ، الشاب الذى يتعامل مع ممتلكات الشعب وكأنها عدو له فما لبث يخرّب الأتوبيسات العامة والمرافق وغيرها هو نفسه المواطن الذى يزايد على غيره فى أسمى معانى الوطنية ، الموظف الذى لا يقضى حوائج الناس إلا إذا أخذ العمولة –الرشوة- هو نفس الموظف الذى يعتصر قلبه ألما على مصر ... والحديث فى هذا يطول ، حسما هذه هى الوطنية التى نحن فى أشد الحاجة إليها لإنقاذ ما تبقى من هذا الوطن ، نحتاج الوطنية للوقوف فى وجه هذا العبث بعقول الفقراء والبسطاء ، نحتاج الوطنية للحاق بقطار التقدم الذى مر على وطننا منذ سنوات ولا أمل فى الأفق أن نكون - حتى فى السبنسه - ، نريد الوطنية لتعود مصر دولة ذات ريادة على المستوى العالمى ، نريد الوطنية لتعود للمواطن المصرى كرامته وهيبته فى كل أنحاء الدنيا لا أن يصبح طعاما للأسماك فى بطون البحار ، نريد الوطنية ل ......... ، لا وطنية كرة القدم