التيارات السياسية فى مصر لم تفهم إلى الآن ثقافة الاختلاف حتى بعد مرور 60 سنة على ثورة 1952 وفى كل مرة يخرج الجميع من السباق بمزيد من العداء كل طرف للآخر وكأن الجميع لا يتعلمون من التجارب السابقة، ففى السابق وبعد ثورة 1952 عندما أراد عبد الناصر ضرب الإسلاميين ظهر الشيوعيون وحتى أيام السادات لما أراد أن يقضى على الشيوعيين ترك المجال لظهور الجماعات الإسلامية وتعامل الطرفان وقتها بوحشية فيما بينهم إلى أن جاء مبارك وترك الحبل على الغارب للجميع فى البداية وبعدها تم القبض على الجماعات الإسلامية وسمح للإخوان والتيارات الإسلامية السلفية بالعمل رغم التضييق الشديد ولم يدم الوضع طويلاً حتى بدأت الاعتقالات فى صفوف المعارضين جميعًا ووصلت إلى الذروة فى عام 1992 وحتى 1997 وبعدها تم القضاء تمامًا على الجماعة الإسلامية والجهاديين كحركة وترك الليبراليين والعلمانيين يسيطرون على مقاليد الأمور من إعلام وصحافة وثقافة وظهر الفساد وترعرع ونشأت معه الميليشيات التى تحميه من البلطجية الذين عاثوا فسادًا فى الأرض حتى هذه اللحظة، أما التيارات العلمانية والليبرالية فهم لعبوا علينا وعلى الوطن باقتدار ومثل غالبيتهم طول الوقت دور المعارض النزيه وهو مع كل نظام كان يدور فى الدائرة التى رسمت له بعناية ولم يخرج عنها قيد أنملة إلا بالقدر المسموح به فى كل مرة، وظل الإخوان المسلمون متماسكين يعملون فى صمت أحيانًا وفى الجهر أحيانًا وطوعوا الأدوات والفرص المتاحة أمامهم فى كل مرة حسب المعطيات واستفادوا بشدة من تجاهل النظام السابق للفقراء والمهمشين وساعدوهم بقدر الإمكان حتى أن الناس التفتت حولهم لتواجدهم والسلفيين بجانبهم فى كل مصاب ومن ثم أصبح للاثنين قاعدة شعبية ضخمة لم يدركها النظام السابق نفسه وعندما أدرك النظام ذلك بدأ التضييق والتنكيل بهم يزداد حتى أنهم منعوا من فعل الخيرات ومساعدة المحتاجين فى مرات عديدة وبرغم الضربات التى وجهت لهم إلا أنهم ظلوا متماسكين إلى حد بعيد هذا من ناحية، من الناحية الأخرى والملاحظ مما نشر وقيل عن التيارات الإسلامية أن ما هو معروف تاريخيًا أن لهم آراء وأيديولوجيات مختلفة بعضها اتسم بالحكمة والتعقل وهذا يمثله تيار الإخوان المسلمين أو التمسك بالسنة ونهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ممثلا فى التيارات السلفية وبعضهم كان يبدو متشددًا أكثر من اللازم وكان الأمر لا يستدعى كل هذا التشدد، وهذا مثله تياران فى الداخل كانت الجماعات الإسلامية تمثل هذا التيار وفى الخارج كان تيار الجهاد متصدرًا المشهد بامتياز، ويحسب للجماعات الإسلامية نبذهم للعنف وتخليهم عنه، والجميع اتسم أداؤهم إما بالتعجل وحلم الخلافة أو تحكيم الشريعة ولم يدركوا أنّ مَن كان معهم سيصبح ضدهم بعد انتهاء دورهم فى القضاء على الامبراطورية السوفياتية كما هو الحال مع الجماعات الجهادية تحديدًا، أو التباطؤ والصبر الطويل والتردد كما هو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين، أما السلفيون فكانوا ليس لهم علاقة بالسياسة ولم يصطدموا بالنظام بل وصل الأمر أن بعضهم حرم الخروج على الحاكم وبرغم ذلك لم يسلم الجميع من الاعتقالات والسجون حتى بعض المحسوبين على التيار الليبرالى لمواقفهم المخالفة للنظام، يأتى بعد ذلك الصوفيون وعدد من الطوائف الأخرى القليلة العدد ممن ليس لها أى انتماءات سياسية أو مشروع تنموى أو سياسى واضح، وبدأ أصحاب المذهب الشيعى فى الظهور إلى العلن كحركة قد تهدد المجتمع ما لم يتم التعامل معها بحنكة وحكمة، كل ذلك وكان الأزهر غائبًا أو مغيبًا عن المشهد فى السابق وإن ظل أداؤه ليس بقدر حجمه ولم يرض عنه الكثيرون فالمفروض من الأزهر وشيخه أن يكون القاطرة أو البوتقة التى تنصهر فيها كل هذه التيارات باختلاف توجههم وآرائهم ليخرج لنا اتجاهًا واحدًا وسطيًا عن الإسلام لا هو متشدد للدرجة التى ينفر منها الناس أو لينٌ للدرجة التى تضيع معه صورة الإسلام السمحة وسنة نبينا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، وما أنادى به وينادى به كثيرون ليس صعبَ التحقيق ولا بعيدَ المنال إن خلصت النوايا. والآن يجب على التيار الإسلامى بجميع أطيافه والتيار الليبرالى بكل فصائله أن يراجعوا أنفسهم ويعرفوا أن هذه الثورة صنعها الله بيد الشباب والشعب من خلفهم وآزرها الجيش فى البداية وإذا تخليتم عنها سيتخلى الله عنكم جميعًا، وقد ثبت حتى هذه اللحظة أن الشباب الواعى الذى شارك آنذاك كان معهم حق فى كل المواقف ويجب عدم الخلط بين الثائرين الحقيقيين والمندسين بفعل فاعل والذين أساءوا كثيرًا للثورة والثوار، وبالتالى يجب العودة إلى المربع واحد واحتواء الشباب وضمهم فى الحياة السياسية عن طريق الأحزاب القائمة أو إنشاء حزب جديد يجمع كل الفصائل والائتلافات بدلاً من التشرذم والتفتت هذا أمر، الأمر الآخر هو أننى أقترح أن ينضم جميع الإسلاميين فى تكتل واحد ويدخلوا الانتخابات تحت راية واحدة وأن يتكتل فى المقابل الليبراليون والعلمانيون والمسيحيون ومن يؤازرهم فى تكتل واحد، وكل من يرغب من أفراد الشعب الباقى أن ينضم أو يؤيد هذا الطرف أو ذلك له الحق فى ذلك وندخل انتخابات مجلس النواب القادمة بتكتلين أو ثلاثة على الأكثر حتى يكون هناك معارضة قوية وحقيقية تعمل على تصحيح نظام الحكم ودعمه لا محاولة هدمه وتقويضه كما هو حادث الآن وعلى كل التيارات التى ستكون ممثلة فى مجلس النواب أقول لهم إن أمامكم فرصة تاريخية لتعيدوا الحقوق لأصحابها وتصححوا الأوضاع المائلة فاغتنموها لله وللوطن ونحوا خلافاتكم وأطماعكم جانبًا على الأقل فى هذه المرحلة، وفق الله هذا البلد وأهله إلى ما فيه خير البلاد والعباد وألهم الله هذا الشعب الصبر على ما ابتلى به طوال العقود السابقة.