لا أدري كيف دخلت ( سيدة ) في حياتي ، فلست معتادة علي الاختلاط بالجيران ، ولكن الباب أمام الباب وهي لطيفة مبتسمة وخدومة ، ولأنها لم تنجب هي و زوجها (صابر ) كانت تعاني الوحدة والفراغ ، شيئا فشيئا صار الوضع المعتاد أن تأتي لشقتي بعد انصراف زوجها للعمل وأولادي للمدارس ، كانت تسليني وتساعدني وتجعل الصباح يمر خفيفا مرحا ، وعند آذان العصر تنصرف لشقتها . لاحظت فجأة وجومها وانطفاء بهجتها وبعد إلحاح صارحتني بأمر تلك الكوابيس التي تلاحقها ، فهي تري في نومها كأن في شقتها زوجين لا تعرفهما يطارد الزوج زوجته ويؤذيها وهي تهرب منه وتصرخ ، فتستيقظ ( سيدة ) مرعوبة . والغرابة أن الحلم يتكرر كل ليلة بنفس الشخصين ولكن بتفاصيل مختلفة ، فحدة الصراع تتزايد واعتداءات الزوج بالضرب والإهانة تتصاعد ومعها تتعالي صرخات الألم والاستغاثة من قبل الزوجة . في أحد الأيام جاءت ( سيدة ) وهي ترتجف من شدة الفزع وتقول ( قتلها المجرم ) وعند هذا الحد أصررت علي ضرورة عرضها علي طبيب نفسي لتتخلص من تلك الكوابيس العجيبة التي تطاردها وتحيل حياتها عذابا ورعبا .
لم أخبر زوجي بأمر الطبيب النفسي حفاظا علي أسرارها ، ولأنه لا يرتاح لاهتمامي بها في الفترة الأخيرة ، قلت فقط سنذهب للطبيب ولعله اعتقد أن ذلك من أجل الإنجاب كالعادة ، وفي الحقيقة لم يحل الطبيب المشكلة فقد أعطاها بعض المهدئات ، وأخيرا جاءت ( سيدة ) لتخبرني بعزمها علي الانتقال لمسكن آخر وودعتني وانصرفت . بعد انتقالها للمسكن الجديد فارقتها الأحلام المزعجة تماما ، وصارت تنام ملء جفنيها كما أكدت لي ، ولم تكف عن زيارتي بين الحين والآخر بعد أن استعادت عافيتها وعادت لطبيعتها التي تتفجر حيوية ومرحا . وفي شقتها السابقة سكن عروسان في غاية الهدوء والأدب ، ولكن عندما رأتهما ( سيدة ) من شرفتي وهما يدخلان البيت صرخت وأخذت تردد كالمصعوقة ( إنهما الشخصان نفسهما أبطال الحلم !! ) لم أجد تفسيرا في كتب علم النفس أو تفسير الأحلام لهذه الحالة العجيبة ، كان الاحتمال الوحيد أنها تخيلت أنهما أشخاص الحلم بسبب معرفتها أنهما عروسان ، وتحت وطأة الانفعال حكيت لزوجي كل شئ ولم يزد رد فعله علي أن ابتسم ابتسامته الساخرة الخالية من التعاطف وهو يقول ( سيدة تتلاعب بك ) وللمرة المليون أندم لأنني فتحت له قلبي وصارحته بما يشغلني . في أحد الأيام وأنا عائدة للمنزل وجدت الشرطة والإسعاف حول بيتنا وسمعت الخبر الصاعق ( العروس دس لها السم في كوب العصير ونقلت للمستشفي بين الحياة والموت ) إذن فقد فعلها زوجها وقتلها كما رأت سيدة في حلمها القاتل . كنت في قمة الانفعال وقلت لزوجي ( سأذهب للشهادة علي القاتل ) قال ( تدلين بشهادتك علي أي أساس ؟ هل رأيت أو سمعت شيئا بنفسك ؟ ) قلت : لكنني أعلم الحقيقة . قال : من أين لك بهذا العلم ؟ من أحلام سيدة ؟ قلت متحدية : بغض النظر عن كل ذلك ليس في الشقة سوي الفتاة وزوجها فمن دس لها السم غيره ؟ قال بلهجة حادة منذرة : أنا أحذرك من شهادة الزور . لا يجوز أن تشهدي إلا بما رأته عيناك أو سمعته أذناك ، أما أن تبني شهادتك علي أقوال الآخرين وحكاياتهم فتلك معصية كبري حذر منها رسول الله صلي الله عليه وسلم . أخافتني كلماته وتهاويت متخاذلة منهاره علي الكرسي ، ربت علي كتفي بحنان هذه المرة وقال بهدوء : كم من المآسي ترتكب بسبب من يردد كلاما مرسلا سمعه أو حكي له من شخص موتور ، ولا تتخيلي ما يترتب علي تلك الكلمات الطائشة من مصائب ، الكلمة أمانة وسنحاسب عليها يقول تعالي في محكم آياته ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ويقول صلي الله عليه وسلم ( وهل يكب الناس في النار علي وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )
تسارعت الأحداث بعد ذلك ، تماثلت العروس للشفاء ،وتبين أنها كانت حاملا في شهرها الثاني وبعد أن تناولت العصير المسموم داهمتها نوبة قئ أفرغت أغلب جرعة السم ، وبعد غسيل المعدة السريع الذي حدث بسبب سرعة نقلها للمستشفي أفصحت الفتاة عن اسم قاتلها قالت : هو أخي ( صابر ) !! (صابر ) زوج ( سيدة ) حاول قتل أخته التي تنازل لها عن شقته لتتزوج فيها ، وهي أخت غير شقيقة له ، كان ناقما بشدة علي والدتها ( زوجة أبيه ) لأنه يتهمها بالاستيلاء علي أملاك وأموال أبيه بطرق غير مشروعة وحرمانه هو وإخوته ، ولأنه يعاني من التهديد بالسجن بسبب ديونه وبعد أن يئس من الحصول علي شئ من زوجة أبيه تصالح معها ومع أخته وتنازل لها عن شقته مقابل مبلغ كبير ، أعطته له الفتاة كنوع من المساعدة ، قام بتأجير شقة لنفسه بجزء من المال وسدد بعض ديونه ، وفي الوقت نفسه كان مستمرا في تنفيذ خطته .
أخذ فكرته من فيلم أجنبي ، وبدأت زوجته تتقرب مني وتحكي لي أحلامها المزعومة ، ثم جاء يوما لزيارة أخته وغافلها ووضع لها السم في العصير ، معتمدا علي أن أصابع الاتهام ستتجه لزوجها وأنني متأثرة بحكايات (سيدة ) سأشهد بما يؤكد ذلك ، وفي تلك الحالة سيرثها هو و إخوته ويسترد بذلك كما صور له شيطانه مال أبيه . لكن القئ وعودة الزوج المبكرة من العمل وإحجامي عن الشهادة كل ذلك كشف الحقيقة ومن وقتها وأنا أعرف جيدا قيمة اللفظ والكلمة والشهادة . [email protected]