بلغني أن كلا من شيخ الأزهر ومفتي مصر بلغهما سؤال عن حكم استضافة مغنية أمريكية اسمها "بيونسيه" وفرقتها المكونة من 76 شخصا في مصر "الفقيرة والمحتاجة لكل قرش" وظهورها شبه عارية، ورقصاتها الخليعة وسط الآلاف، تذكرة المقعد الواحد 2000 جنيه، والواقف 250 جنيها. وبلغني أن فضيلة الإمام الأكبر رد بمقولته التقليدية "وأنا مالي.. تسألني أنا ليه.. هو لازم أفتي في أي حاجة.. اللي يغني يغني واللي يدفع يدفع والغاوي ينقط بطاقيته"! أما المفتي فنطقها "يانسون" مستغربا أن يكون هناك صنفا منه وصل لألفي جنيه، مع أنه يشربه عشرات المرات في مكتبه بالمجان. في هذه الأثناء كان مفتي الديار المصرية مشغولا باعلان فتواه في النقاب مؤكدا أنه لباس شهرة يسيئ للمسلمين والإسلام. ولما استغرب السائل قلقه الشديد من النقاب على مستقبل المسلمين، راح يكرر عليه "بيونسيه .. يا راااجل.. بيونسيه.. أنا بأسألك عن جسم عريان بالخمسة وسط الآلاف وفي الهواء الطلق، مش إمرأة مستورة.. ماذا يخيفنا من إمرأة تغطي نفسها"؟! أنا مثل المفتي لم أسمع عن هذه المغنية ولا أعرف عنها شيئا إلا بعد أن قرأت أن الدكتور أحمد نظيف تجاهل كل مشاكلنا وفقرنا ويأسنا ولحم الحي الذي ندفع منه حاجياتنا وضرائبه وخدمات حكومة المهترئة، واحتجت في المرة الأولى لنظارة لأفرق بين اسمها وبين "اليانسون" مع أن هناك بونا واسعا بين الحروف المتشابهة. واندهشت بشدة لما قرأته عنها. هي مغنية سمراء دون الثلاثين، من طبقة أثرى الأثرياء، رأسمالها 80 مليون دولار، متزوجة من مغن ثري أيضا، تتصارع معه على السلطة – بضم السين – فأختصرت المشوار وتزوجته لتصبح ملكة عليه، ولتتجنب شعارات ما يحكمش وكفاية والذي منه! ليس هذا بالطبع مثار الدهشة والتعجب، وإنما الطابع السري الذي أضفته الحكومة على أجرها فقد قيل إنه يتجاوز الملايين ورغم ذلك التزمت الصمت ولم تعلق أو تبرئ ساحتها، والحراسة الكثيفة التي أحيطت بها والتي تكلفت أيضا أموالا باهظة! وزادت دهشتي إلى حد أنني "شخطت" في ابني شخطة جمدته في مكانه كأن جنا تلبسه من الخوف عندما طلب مني مساعدته في حل مسألة دراسية، فاعتقدت أنه يفسد بحثي عن حل فزورة "بيونسيه" التي يرفض نظيف أن يكشف سرها سائرا على خطى الفنان الراحل حسن عابدين مع سر "شويبس"! حتى أريح نفسي أمسكت ورقة وقلما لأحسب كم من الفقراء تطعم تذكرة ثمنها ألفان ودفعها عدة آلاف، وكم تداوي من المرضى المحتاجين، وكم ترمم وتنظف من المدارس المتهدمة القذرة حتى نوقف الهجوم الشرس الذي تشنه انفلونزا الخنازير على أبنائنا الطلاب! ولأن نظيف لن يجيبني أبدا فلا مكان في مصر لتسعة وتسعين في المائة من سكانها المحسوبين في طائفة الفقراء، فقد دمعت عيناي لأنني عاتبت مدرسة ابني لوقوفه 5 دقائق في "الباص" في طريق عودته للبيت، فإذا أتلقى اعتذارا رقيقا منهم ومحادثة هاتفية تكرر الاعتذار للدرجة التي جعلتني "انكسف من نفسي".. طبعا هذا ليس في مصر! أكثر ألمي ليس من رئيس الوزراء ولا من أي وزير ولا من لجنة السياسات التي تعايرنا برفاهيتها، وبمرتبات الموظفين التي زادتها مائة في المائة، والسيارات التي اشترتها 250 ألف عائلة خلال العام الماضي.. وإنما من فضيلة الإمام الأكبر، وفضيلة مفتي الديار.. فلم نسمع منهما حسا ولا خبرا مع أن السيدة "بيونسيه" منعت من إقامة حفلة مناسبة في ماليزيا، وقد سألت بنفسي مسؤولا حكوميا هناك عن أسباب ذلك المنع فأجاب: "إستجابة لطلب قدمته وزارة الأوقاف والدعوة بسبب ملابسها العارية واستعراضاتها المخلة "! في النهاية لابد من التذكير بأن ماليزيا دولة مسلمة صناعية غنية.. وصلت إلى مكانتها المتقدمة جدا وسط العالم الأول من غير أن تعادي الدين والتدين والحجاب والنقاب.