في عام 2007، عندما سئل د. عصام العريان عن موقف الجماعة من "كامب ديفيد" حال وصلت إلى السلطة في مصر، كان العريان شديد الوعي بالفارق بين "رجل الدولة" و"المعارض السياسي" .. صحيح أن السؤال كان افتراضيا، غير أن إجابة العريان عليه جاءت متسقة مع مقتضى المكانة السياسية التي افترضتها جريدة الحياة اللندنية التي سألته آنذاك هذا السؤال وفي ندوة عقدت في مقر جريدة الشروق منذ شهور، اكتشف العريان خطورة الأسئلة الافتراضية، وجاءت اجاباته على التساؤلات موفقة إلى حد بعيد، حيث أحال "الافتراضي" منها إلى "الأرشيف" متجنبا بذلك الوقوع في "الكمائن الصحفية" التي تحيط بالجماعة من كل جانب، والتي بلغت في عبثيتها، محاولة توريط الجماعة ليس فقط في "سؤال التوريث" ولكن عن "المرشح "المفضل لها في مواجهة الرئيس مبارك. عندما سألت صحيفة "المصريون" د. العريان، عن موقف الجماعة من اعلان د. محمد البرادعي قبوله الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2011، بشرط توفر النزاهة والحيدة .. قال متساءلا عن برنامح البرادعي نحن ندلي بأصواتنا ل"البرنامج" الانتخابي وليس للأشخاص.. الإجابة من جهة اعفت الجماعة من الحرج السياسي أمام نظام يتصيد لها الأخطاء وينتظر أن يصدر منها ما يستفزه.. ومن جهة ثانية لم يصدر منها ما يسيئ لشخصية أممية كبيرة ولها احترامها مثل البرادعي ومن جهة ثالثة لم تصطدم بالقوى السياسية التي ترى في البرادعي رئيسا "انتقاليا" مناسبا لمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، فضلا عن أن إجمال الموضوع في التصويت على البرامج وليس على الشخصيات، يأتي في سياق قواعد "الحداثة السياسية" التي لا يعترض عليها الإصلاحيون والديمقراطيون في العالم.. ولا تستفز إلا الطعاة والديكتاتوريين. ومن يتابع تصريحات الإصلاحيين داخل الجماعة، وعلى رأسها فضيلة المرشد العام الأستاذ مهدي عاكف، ومسئول القسم السياسي بها الإصلاحي البارز عصام العريان، يلحظ أن الحركة تفصل بين أمرين : "التوريث" الذي ترفضه و "المرشح" الرئاسي المفترض والذي "تتجنبه" لدقة وحساسية ملفها الأمني وتوتر علاقاتها بالنظام الذي يرأسه مبارك والذي من المفترض أن يحسم مستقبله السياسي عام 2011. الجماعة .. في سؤال التوريث لا تكاد تختلف عن موقف الجماعة الوطنية المصرية التي ترفضه.. أما سؤال الرئاسة فإنها "تتحسسه".. أولا لأنها تعي أن ما يحدث بشأن الأخير في أوساط النخب السياسية المعارضة للرئيس مبارك، هو من قبيل "العبث السياسي" المهين لها حال تورطت في هذه الملهاة.. ثانيا فإن الجماعة لا تريد "شخصنة" محنتها الأمنية والإنسانية مع النظام بحيث تبدو وكأنها في مشكلة "شخصية" مع الرئيس.. فوقوفها خلف مرشح بعينه يعني أنها ضد مبارك شخصيا، فيما يثبت تراثها الحركي والنضالي بأن مشكلتها منذ تأسيسها عام 1926 كانت مع الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر وليس مع من يجلس على عرشها.. وفوق ذلك كله فإن "فقه الاستضعاف" يقتضي الأخذ بهذه "التقية" درءا لتعرضها لتنكيل واسع النطاق حال اعلنت موقفا عدائيا صريحا من رئيس الجمهورية. الجماعة إذن ليست في مأزق "اختيار" وإنما في مرحلة "اختبار".. وما إذا كانت ستنجح في أن تظل واقفة عند "نقطة محايدة" بين معارضة ضعيفة ومخترقة وتريد توريطها في مواجهة غير محسوبة مع السلطة .. وبين نظام يحصى عليها أنفاسها وينتظرمنها ما يبرر له دهسها بلا رحمة. [email protected]