بعد مشاهدتي لحلقة فضفضة أمس 11 فبراير 2013م على قناة الناس والتي حل فيها الشيخ ممدوح جابر ضيفاً يؤصل لنا بعض ما يتعلق بمسائل السياسة الشرعية وتوقيعها على الواقع = فقد بِتُّ لا أستريب في أن الشيخ حفظه الله يعايش أزمة مع المسألة تأصيلاً وتفريعاً ، ترسخت مضامينها عندي للأسباب التالية : في رده على المهندس عبد المنعم الشحات أصل الشيخ ممدوح لاختلاف وتعدد صور الحكم والولاية في النظام الإسلامي ، وبنى على ذلك ما ينبغي للإمام من صلاحيات ، وما ينبغي عليه من واجبات ، بحسب كل حالة ، فقال : [[ المتتبع للنظام الإسلامي يجد أنه وجد في هذه الصورة .. وأيضاً وجد في صورة النظام البرلماني والذي يعطي صلاحيات واسعة لكبير الوزراء .. وكذلك وجد النظام الفيدرالي الذي تستقل فيه الأقاليم داخلياً استقلالاً تاماً ، أما إعلان الحرب والمعاهدات فتابع لسلطة الخليفة .. بل وجد النظام الكونفدرالي الذي تستقل فيه الأقاليم داخلياً وخارجياً .. وكل هذه الصور وجدت في ظل قوة وعنفوان الدولة العباسية ، ولم نسمع من أي عالم إنكار هذه النظم أو الإصرار على صورة الشخص الواحد الذي يجمع كل شيء في يده ؛ وذلك لأن نصوص الوحي لا تخصص الأمر بصورة معينة ]] اه فقرر الشيخ تعدد صور نظام الحكم في الإسلام ، فأحدها هو النموذج الذي يجمع كل الصلاحيات للإمام ، وباقي الأنظمة حصل فيها الخصم من هذه الصلاحيات .. وقبول هذا التعدد في الصور يؤدي بالضرورة إلى تعدد الصلاحيات والواجبات ، ويمنع من سحب ما للإمام في النموذج الأول على الإمام في باقي النماذج ، وإلا صار تعدد النماذج لفظياً لا حقيقة له ؛ إذ الإمام في النموذج الأول يُنيب عنه من يقوم بالمهام التي انتزعت في النماذج الأخرى وزاد الأمر وضوحاً حين أصل لإمكانية تحديد ولاية الإمام ، بعكس الصورة المنصوص عليها في كتب الفقه من أن ولاية الإمام على التأبيد إلا أن يطرأ عليه ما يوجب عزله ، فقال : [[ إذا اشترطوا عليه مدة = فلا حرج عليهم ، وهذا أمر صحيح لا غبار عليه ، ولم يأت دليل من الكتاب والسنة على بطلانه ، بل الدليل على عكسه ]] اه من سلسلته المعنون لها ب"السياسة الشرعية" وبمناسبة ذكر سلسلة "السياسة الشرعية" للشيخ ممدوح جابر : فقد حدثنا فيها الشيخ عن أمور رسخت لما يُفهم مما تم إيضاحه آنفاً بخصوص اختلاف الصلاحيات والواجبات وما ينبغي للإمام وما ينبغي للرعية باختلاف صورة الحكم والولاية في الإسلام فقد حدثنا الشيخ عن المعارضة في النظام الإسلامي فقال : [[ سنسمع كلاماً عجباً في الانتقاد والاعتراض في الدولة الإسلامية ؛ فما كان يُصادر قول أحد .. ويوضح ذلك قصة عبد الله بن أُبَيّ بن سلول ، ففي قوله تعالى : ((( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ))) نجد أن معنى هذه الآية خطير جداً ؛ فهذا يُعَدُّ في مصطلاحاتنا العامة في هذه الأيام قلبٌ لنظام الحكم ، وإسقاط الدولة الإسلامية ، وإخراج للنبي صلى الله عليه وسلم من المدينة !! ومع ذلك لم يتعرض له النبي بشيء ، بل قال بعد أن بلغه هذا الخبر عنه وأراد بعض الصحابة قتله : ((لا ، بل نُحسِنُ صُحبَتَه)) وقال له رجل يهودي وكان النبي في مجلس مع أصحابه : ((يا بني عبد المطلب ، إنكم قومٌ مُطْل)) أي : لا تُؤَدُّونَ الحقوق ، وقد كان النبي قد استسلف منه مالاً ، فأراد عمر أن يضرب اليهودي ، فقال له النبي : ((إنَّا كنا أحوجُ إلى غير هذا منك يا عمر : أن تأمره بِحُسنِ الطلب ، وتأمرني بِحُسنِ الأداء)) وإذا كانت المعارضة الفرديةُ لسياسة الخلفاء هي الأبرز في عهد أبي بكر وعمر ، فقد ظهرت جماعات منظمة معارضة لسياسة عثمان .. وقد بدأت في البصرة والكوفة ومصر ، ثم أصبحت أكثر انتشاراً ، واستطاعت أن تستقطب إلى صفوفها بعض الصحابة ، كعمار بن ياسر الذي أرسله عثمان لمعرفة أخبار هذه المعارضة في مصر فانضم إلى صفوفها ، وكل ذلك ولم يتخذ معهم عثمان أي إجراء ، والأعجب من ذلك أن والي مصر أرسل يستأذن عثمان أن يتخذ إجراءً مع عمَّار = فنهاه عن ذلك أشد النهي .. وقد كانت المطالب التي طالب بها المعارضون لسياسة عثمان محددة ، تتمثل في : الإصلاح السياسي ، والإصلاح الاقتصادي ، والإصلاح الإداري ، وقد تم الاتفاق بين المعارضة وبين الخليفة الراشد عثمان بن عفان على هذه الشروط ، وتم توثيقها بحضرة علي بن أبي طالب ، وقد أثنى عثمان على الوفد المِصري الذي عَقَدَ معهم الاتفاق فقال : ((ما رأيت ركباً كانوا خيراً من هؤلاء الركب ؛ والله إن قالوا إلا حقاً ، وإن سألوا إلا حقاً)) .. ]] اه بل أصّل الشيخ حفظه الله للخروج ونزع الطاعة في الأمور التي يُشتبه فيها وتختلف فيها المعارضة مع الحاكم ، فقال : [[ نقول : "لا سمع ولاطاعة للإمام في الأمور المشتبه فيها" ، وهذا فهمه العلماء من أفعال الصحابة ، فعندما قُتِلَ عثمان وتولَّى عليّ = انقسم الصحابة إلى فريقين : الفريق الأول على رأسهم طلحة والزبير وعائشة : قالوا بالقصاص من قتلة عثمان أولاً ، ثم بعد ذلك نتفرغ لأمر الخلافة ، بعد أن أقرُّوا لعليّ ، فهذا الفريق جزم بأن الصواب هو القصاص أولاً ، فخرجوا غير طائعين لعليّ ، بدليل ما وقع بين الفريقين من مواجهة في موقعة الجمل ، فلم يسمعوا للخليفة ولم يطيعوا له في الأمر الذي اعتبروا أن الصواب ليس معه والفريق الآخر الذي كان على رأسهم سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وغيرهم من الصحابة : اعتزلوا الفريقين وتمسكوا بأحاديث الاعتزال في الفتن ، مع أن عليّاً دعاهم جميعاً للخروج أمام معاوية ، لكنهم رفضوا ؛ لأنه أمر مشتبه عليهم ]] اه فإذا تكونت لديك صورة عن ملامح نُظُم الحكم الإسلامي التي تكلم عنها الشيخ ، وأنها متعددة ، وأن لكل صورة حالة خاصة تفارق غيرها في باب الصلاحيات والواجبات وما ينبغي للإمام وما ينبغي للرعية = فأقول لك : اطرح كل هذا جانباً ؛ فقد هدم الشيخ البارحة كل ما أصّله وبناه سابقاً ، فقال عجباً ، واسمع لما قال : قال الشيخ : [[ أهل العلم يفرقون بين تصرف الإمام وبين تصرف فرد من الأفراد ؛ فالفرد له أن ينصح سراً وعلانية لا حرج عليه ، لكن أهل العلم فرقوا بين أن هذا الشخص يأتي بتصرف يوازي به دولة ، كما يفعل إخواننا الآن حين يتحدثون في أمور السياسة الخارجية مما لا يصلح أن يتكلم فيه إلا رئيس الدولة ، أو يعقدون صلحاً أو ما شابه ذلك ]] اه وقد ذكَّرنا هذا بكلامٍ قريب عهده للشيخ فوزي السعيد والذي لا ينفك قوله في الغالب عن قول الشيخ ممدوح ، وكان مما قال : [[ إن العمل العام يخص ولي الأمر وحده ، لا يحل لأحد المسلمين الآن أن يباشر عملاً عاماً إلا أن يستأذن الإمام ، ولا يحق لأحد أن يأتي بشيءٍ إلا أن يأمره الإمام بهذا ، وأن المصلحة ولي الأمر أدرى بها : فإن أمرك بأمر فعلت ، وإن لم يأمرك فليس من حقك ]] اه فأُشكل علينا : أنُعارِض ونُطالب بإصلاح إقتصادي وسياسي وإداري كما فعلت المعارضة (التي حازت تزكية الشيخ) مع عثمان رضي الله عنه ؟ أم أن الشأن العام يختص به الإمام فلا نطالب ونؤمن بأن المصلحة ولي الأمر أدرى بها ؟ هل للولاية صور تختلف صلاحياتها وواجباتها ؟ أم هذا وهمٌ وغايته إلزام الناس بولاية الدكتور مرسي الآن على وفق المفهوم الذي تناولته كتب الفقه رغم اختلاف صورة ولاية الدكتور مرسي عن صورة الولاية الموصوفة في كتب الفقه ؟ أيجوز الخروج ونزع الطاعة حال الاشتباه في المسائل أم يحرم ؟ إنها كما قلتُ : أزمة تأصيلات وتصريحات وقبل أن أنهي مقالي أود الإشارة إلى أنَّا لا نخلِّط العقود بعضها في بعض ؛ فالدولة الدستورية الحديثة ذات المرجعية الإسلامية لها نظام لا يشابه نظام الإمامة في كثير من البنود والصلاحيات المعطاه والواجبات المفروضة لكل من الحاكم والرعية ، ونعي أنها مرحلة على الطريق ، ولا نظن كغيرنا أن واقعنا هو النموذج الكامل وأنه هو عين ما نرجو ونُأمِّل ، لكننا نلتزم لغيرنا ممن تعاقدنا معهم على بنود العقد الحالي ، ونسلط الضوء دوماً على النموذج الذي نراه الأكمل والأصلح ، ونسعى بالقوم ما استطعنا حتى نصل إليه ومع نهاية المقال لا يفوتني أن أسأل فضيلة الشيخ : ما الفارق بين ما طرحه حزب النور في مبادرته التي جاءت تجاوباً مع دعوة الرئيس جميع الأطراف للحوار وطرح الرؤى المثلى للخروج من الأزمة ، وبين ما طرحته أنت حين قلت : [[ أنصح الرئيس ألا يقصر الحوار على حزب النور ، أين الشباب ؟ أين حازمون وصامدون وغير ذلك ؟ دول لازم يجيبهم ؛ هيعدلوا الأمر .. لكن النهارده إخواننا في النور يظنون أن الوحيدون الموجودون .. لازم الرئاسة تفهِّم الناس أن الشعب أكبر من كده بكتير .. لازم قطاع الشباب ده يظهر ، وده وقت ظهوره ]] اه ؟ أليست هذه المبادرة من قبيل ما قلت ؟؟ هل لو تلقف حازمون وصامدون والشباب نصيحتك ودعوتك فثمّنوها وطلبوا اللقاء بك من أجل إيجاد هذا الخير الذي تراه في المجتمع وحث الرئاسة (أولي الأمر) عليه : أكنت لترحب أم كنت لتقول أن هذا مما لا يصح أن يتكلم فيه إلا ولي الأمر ؟؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]