عيد العمال الليبرالي    رئيس «إسكان النواب»: توجد 2.5 مليون حالة مخالفة بناء قبل 2019    أسعار النفط تسجل أكبر تراجع أسبوعي في 3 أشهر    بالصور.. وزير الشباب والرياضة يتفقد معسكر "يلا كامب" بمدينة دهب    بعد «اتفاقية التكييف».. محافظ بني سويف: تحوّلنا إلى مدينة صناعية كبيرة    إدخال 349 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبري رفح وكرم أبو سالم    البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني الأسبوع المقبل    موريتانيا.. أقدم معارض يدعم الرئيس الغزواني في الانتخابات المقبلة    أخبار الأهلي : عاجل .. استبعاد 11 لاعبا من قائمة الأهلي أمام الجونة    بحضور 25 مدربًا.. اتحاد الكرة يُعلن موعد الدورات التدريبية للرخصة «A»    تير شتيجن على موعد مع رقم تاريخي أمام جيرونا    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    تحرير 12 محضرا تموينيا خلال حملة مكبرة في البحيرة    مروة ناجي تتألق ونجوم الموسيقى العربية ينتزعون الإعجاب على المسرح الكبير | صور    آمال ماهر تتألق بأجمل أغانيها في جدة | صور    قصر أثري للبيع مقابل 10 يورو بشرط واحد.. كان يسكنه رئيس وزراء بلجيكي سابق    فريدة سيف النصر ترد على اتهامات توترها للفنانين داخل لوكيشن "العتاولة"    هند صبري وابنتها يقلدان مشهد من «نيللي وشريهان»    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    لعنة تخطي الهلال مستمرة.. العين يخسر نهائي كأس الرابطة من الوحدة    عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    بمشاركة كوكا، ألانيا سبور يتعادل مع أنقرة 1-1 في الدوري التركي    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    خدمة الساعات الكبرى وصلاة الغروب ورتبة إنزال المصلوب ببعض كنائس الروم الكاثوليك بالقاهرة|صور    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    سوسن بدر تعلق على تكريمها من مهرجان بردية لسينما الومضة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نحكم بالإسلام في دولة عصرية؟

وسط الجدل والنقاش المثار الآن بصوت مرتفع وصاخب أحيانا علي الساحة السياسية بعد ثورة‏52‏ يناير‏,‏ من قادة الأحزاب والجماعات والفرق ذات المرجعية الإسلامية‏,‏ يعرض كتاب الجمعة هذا الأسبوع آخر مؤلفات الطبيب والمفكر الإسلامي الدكتور أحمد شوقي الفنجري كيف نحكم بالإسلام في دولة عصرية‏,‏ والكتاب يعرض إجابات موضوعية علي عدد من الأسئلة المطروحة ليس فقط من جانب الإسلاميين, بل من مختلف الآراء والتيارات المتشابكة في الشارع المصري.
قسم الدكتور احمد شوقي الفنجري كتابه' كيف نحكم بالاسلام في دولة عصرية' الي ثلاثة ابواب, وفصلها في احد عشر فصلا, وابتدأ بابه الاول بسؤاله الجوهري' لماذا الحكم بالاسلام' وكأنه بذلك يلفت نظر قرائه- بداية- الي قناعته الخاصة بصلاحية الحكم بالاسلام, ليس فقط لاغلاق الطريق علي المتربصين- من اصحاب النوايا السيئة, بل ايضا تمهيدا لما تعرض له في الابواب والفصول اللاحقة بكتابه, والخاص بالشروط الواجبة والضرورية للحكم الاسلامي- في بداية عهد الاسلام كما في ايامنا تلك بالطبع- والتي بانتفائها تنتفي معها' وبالضرورة' امكانية الحكم بالإسلام.
وفي الاجابة علي السؤال البديهي' لماذا لم تتحول افكار المنادين حاليا بتطبيق الحكم الاسلامي الي برامج في الاقتصاد والسياسة والقانون والثقافة والتعليم وخلافه؟
استعرض الدكتور الفنجري تصورات المسلمين لتطبيق الحكم الاسلامي, والتي تقترب حتي الآن لدي قطاع واسع منهم وبالتالي انصارهم ايضا- من التمنيات والطموحات والاحلام المشروعة, استنادا الي المنقول والمعلوم والمنشور من النماذج الأولي الخاصة بوسطية الرسول محمد صلي الله عليه وسلم, ومن بعده وسطية ابوبكر وعمر, وكذلك الملامح الاساسية في صور الحكم الاسلامي والتي فسرها البعض بالاشتراكية وفسرها البعض الاخر بالرأسمالية والحرية الفردية, مع التذكير بالمنقول عن صور العدل, خاصة عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, وشبيهه في الحكم الموصوف بخامس الراشدين عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنهما.
الحكم بالإسلام والجمهورية الفاضلة
اكد الفنجري ان الجمهورية الفاضلة التي يحلم بها سكان العالم, وفكر فيها وكتب عنها افلاطون- كانت حقيقة واقعة بشكل افضل واعظم في دولة النبي محمد صلي الله عليه وسلم بالمدينة, وكذلك دولة خلفائه الراشدين, ويشير الفنجري إلي ان تكرار ذلك النموذج مرة اخري يقتضي بالضرورة استنباط شروطه مرة اخري من الكتاب والسنة بما يتوافق والدولة العصرية مع التاكيد علي الاستفادة من تجارب الآخرين في الشرق والغرب علي السواء- بغرض الخروج بالتطبيق النموذجي الامثل, علي ان ذلك يتطلب تدارس كل ما في الساحة الاسلامية المعاصرة وتصفيته وتنقيته لمعرفة الخطأ من الصواب- مع عدم استثناء التجارب المعاصرة للحكم' باسم الاسلام'- وحسب كلماته- في السعودية وباكستان وايران وافغانستان والسودان- وبدون هذا قبض الريح- فالخلاف الحيوي والرئيسي هنا يتعلق باسلوب التطبيق المعاصر.
بعد ان شرح الفنجري في الباب الاول الاسباب الموجبة للحكم بالاسلام مستعرضا حال المسلمين بين الامس واليوم, فصل ما ستجنيه مجتمعاتنا من مكاسب حال الرجوع للنموذج الامثل في الحكم, وليس النماذج' الاسلامية الحالية التي برغم تعددها بين ملكي وجمهوري وعسكري ومدني وحزبي وخلافه, الا انها تتفق فيما بينها علي النتيجة النهائية المتمثلة في الحكم الدكتاتوري الفردي, مع سيطرة الفساد والانتهازية علي مقاليد الحكم, وخنق حرية الراي مع الحرص علي عدم كشف مواطن الخلل, وهو ما خلف في تلك الدول كوارث بادية للقاصي والداني, ليس فقط في السياسة المحلية والدولية والاقتصاد- برغم وفرة الموارد, بل ايضا في العلوم والتعليم والامن, والسياحة وكافة المناحي الاخري, وهذا ما يبدو اكثر وضوحا حين المقارنة بما كانت عليه الدولة الاسلامية مترامية الاطراف- من حدود الصين وحتي الاندلس بما هي عليه الآن في الدول المذكورة.
بعد ان عدد المؤلف مزايا الحكم الاسلامي الديمقراطي- القائم علي الشوري- مستندا علي النص القرآني في اكثر من موضع, عرج علي تطبيق الحدود مشترطا بداية البيئة الاسلامية الكاملة والمثالية, المنطلقة من التزامات الحاكم تجاه الرعية واقامة مجتمع العدل والتكافل والمساواة في توزيع الثروة وتطبيق القانون- واعتبر ذلك شرطا لا غني عنه في تطبيق الحكم الاسلامي, والذي سينجم عنه- حال توافر شروطه واركانه- القضاء علي كل مظاهر الفساد والانحراف والعبث, والجهل والمرض والفقر والتكاسل والتواكل والمحسوبية والاهمال, وهو امر لم تصل اليه تلك الدول المعاصرة التي اعلنت تطبيق الحكم الاسلامي, وذلك لتجاهلها شروط تطبيق هذا الحكم- فالحاكمية الالهية ليست بالضرورة مقترنة بالدكتاتورية والظلم الاجتماعي وكبت الرأي الاخر ونصب المشانق, والخلط بين شؤون الدنيا واصول الدين والمعتقد والغاء عقول البشر, كذلك فمن وجهة نظره ان عصمة الحاكم حتي لو كان خليفة للمسلمين ليست من الاسلام في شيء, وظلمه للرعية يستوجب عزله من مجلس الشوري- مستندا في ذلك علي احاديث نبوية صحيحة- منها ما اخرجه الخمسة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم' علي المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره, الا ان يؤمر بمعصية, فإن امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة' أو' سيكون من بعدي امراء- من غشي ابوابهم وصدقهم في كذبهم واعانهم علي ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض, ومن لم يغش ابوابهم ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم علي ظلمهم فهو مني وانا منه وسيرد علي الحوض' رواه الترمزي والنسائي, او' انا اشهد الله تعالي علي من وليته شيئا قليلا او كثيرا من امور المسلمين فلم يعدل فيهم- انه لاطاعة له, وهو خليع مما وليته, وقد برئت ذمم الذين معه من المسلمين'
ويري الفنجري ان تلك النظم والنماذج الحاكمة حاليا باسم الاسلام اكبر خطر عليه من غيرها من النظم السياسة الحاكمة, وتضر به بين المسلمين وغير المسلمين علي السواء, وتؤخر بالتالي اقامة الحكم الاسلامي الصحيح- بسبب ما تشيعه من نفور الشباب المثقف من فكرة العودة الي الدين.
وفي باب آخر استعرض المؤلف الاتجاهات الثلاث الحالية, والتي يطالب احداها بالعودة الي نظام الخلافة ونسخه كما هو دون زيادة او نقصان, وتطبيقه هكذا في دولتنا الحالية, وثانيهما الذي يري بضرورة نقل ما يناسبنا من تجارب السعودية وباكستان وايران وافغانستان والسودان, أما ثالثهما الذي فبفضل تفصيل نظاما للحكم مما تركته لنا المذاهب الفقهية'.
فند الفنجري تلك الآراء موضحا ان الشروط والظروف الذاتية والموضوعية التي رافقت عصر الخلافة الاسلامية الاول لم تعد موجودة في ظل الدول المعاصرة ذات المشاكل المختلفة والاقتصاديات المعقدة, ولذا فما كان يصلح حينها يجب الاخذ منه بما يتناسب فقط مع ظروفنا الحالية, واما ما يخص التجارب الحالية في عدد من الدول, فيري الفنجري بضرورة ترك ما طبق هناك بعيدا عنا هنا, لا نه لم يخلف سوي الحرمان من الحرية والعدل والديموقراطية وخلافه, ولا يناسبنا لانه لم يقم علي دراسات علمية او فقهية مسبقة, بل طبقه افراد حملتهم الصدفة الي سدة الحكم في غفلة من الزمن, فطبقوا حكم الاسلام بشكل انتقائي وتغافلوا عن الشوري باعتبارها ركن هام من اركان الحكم في الاسلام, وحتي في الحدود فقد طبقوها علي فقراء المسلمين دون الاغنياء الذين- حسب الفنجري- يرتشون بالملايين ويهربونها خارج البلاد- فهل هذا هو الاسلام؟.
وفيما يتعلق بالمذاهب الاسلامية وضرورة تفصيل حكم اسلامي مما تركته لنا- يري الفنجري انه- مع التقدير الكامل لما جاء في' الامامة الكبري وشروطها' الا ان ما جاء فيها لا يناسب عصرنا الحالي' فرئيس الدولة يجب ان يكون من قريش' والمرأة لا تصلح لتولي هذا المنصب, والخليفة غير قابل للعزل الا لو كفر' اما ظلم الرعية والحرمان من الحقوق والنهب والسفه فلا يبرر العزل!, وعليه فحتي ما تركه الفقهاء لا يصلح للتفصيل منه علي حالنا.
الإسلام والمعارضة
في الفصل الخاص بشبهات وظنون حول الحكم بالاسلام استعرض المؤلف علي ضوء التطبيقات الحالية للاسلام في الدول المذكورة- الموقف الحقيقي لدولة الاسلام من المعارضة, وذلك بعد سرد بعض تجارب تلك الدول في تعاملها مع المعارضة ورموزها, ومنها اعدام المعارضين بعد ايداعهم بالباطل في السجون والمعتقلات وتعذيبهم دون تهم محدده, كما حدث مع زعماء المعارضة الباكستانية, وكما حدث في السودان ابان حكم النميري واعدام شيوخ المعارضة برغم كبر سنهم, وهذا نفسه ما حدث في ايران الذي اعدم اكثر من الفي شخص من المعارضة داخل السجون خلال شهرين فقط, واورد الفنجري في هذا السياق بيانات منظمة العفو الدولية المليئة بالمآسي والكورث, من تلفيق تهم ومحاكمات سرية الي تعذيب وقمع وسجن واعدامات استنادا الي فتاوي دينية تدعي بان المعارضة حرام..
واما عن الاحزاب السياسية- اشار الفنجري الي ان هناك من يدعي ان الحكم بالاسلام يقتضي الغاء الاحزاب السياسية- بشرط اعطاء الفرصة لابداء الراي داخل الحزب الاسلامي الواحد- الحاكم- اي نفس مبدا المركزية الديموقراطية التي تضمنته دساتير الاحزاب الشيوعية, وادي في النهاية الي انهيار دولهم, ويتساءل الفنجري عن كيفية مراقبة صحة تطبيق الحكم بالاسلام اذا لم يكن هناك' خارج الحكم' احزاب او جمعيات مثلما اسماها الكواكبي, كما نوه الفنجري الي ان ايام الرسول المصطفي علية صلوات الله كان بين انصاره في مجلس الشوري المتساهل الوسطي كأبو بكر والمتشدد كعمر- وكان لهذا انصاره ولذاك ايضا, وكان كل فريق يبدي رايه ويأخذ الرسول الكريم براي الاغلبية- ما يشير الي ان الحكم بالاسلام يفترض بالضرورة الديموقراطية العادلة التي تضع قيودا علي تسلط الحاكم, وضمانات لممارسة المحكومين حرياتهم, ودلل علي ذلك بالخليفة عثمان بن عفان الذي كانت نقطة ضعفه اقاربه, فحباهم المناصب المختلفة حتي انتشر الفساد والاستبداد في ارجاء الدوله وألب جموع المسلمين عليه.
ولذا يؤكد الفنجري ان حكومة تحكم باسم الاسلام يجب علي الاطلاق ألا يقودها رجال الدين- بل حكومة عصرية يقودها علماء اجلاء متخصصون في مناصبهم علي ان يتسم كل منهم بالخلق الاسلامي, والرغبة في منع الظلم واقامة العدل بين الناس- كل الناس, وتطبيق ما يفهم من' انتم اعلم بامور دنياكم' بمعني ترك المتخصصين في مجالاتهم يتولون دفة الامور دون تدخل من غير المتخصصين ولو كانوا رجال دين في دولة تحكم بالاسلام.
لكن ابرز الموضوعات الشائكة التي تعرض لها الفنجري في كتابه باعتبار ذلك هو مربط الجدل الدائم بين انصار ومعارضي تطبيق منهج الحكم الاسلامي هو تطبيق الحدود ونظام العقوبات في الاسلام, والترجمة العملية لذلك في وقتنا الحالي وفق الشروط الملزمة التي يتوجب توافرها في الحاكم نفسه, والتي بانتفاء سماتها وشروطها اي موجباتها- لايستطيع الحاكم تطبيقها, معتبرا في النهاية ان الحكم بالاسلام' الآن' دون الاقدام علي اصلاح كبير في شتي مناحي الحياة داخل المجتمعات الطموحة والراغبة في ذلك- أمر غير ممكن ان لم يكن مستحيل.
ويري الفنجري أن الإصلاح الجذري المطلوب في المجتمعات الإسلامية ينبغي أن يبدأ بإزالة أسباب الانحراف عن نموذج الحكم الاسلامي المعروف, ويبدا هذا من وجهة نظره بتنقيه نظام العقوبات الاسلامي مما هو دخيل وغريب عليه, ويقدم الفنجري كذلك قراءته لما استحدثه متاخرا- الفقهاء والمفسرين وحكام النميرياذج الفاشلة, باعتبار ان أغلبه لا يمت للنظام الاسلامي بصلة.
ركز الفنجري علي نظام العقوبات هذا باعتبار ان الدعوة الحالية عند الحركات والتنظيمات والجماعات الاسلامية المتأخرة تنطلق من ان تطبيق نظام العقوبات الاسلامي لا مناص منه, باعتباره المدخل الضروري لتطبيق الحكم الاسلامي, ما يعني ان الحاكم المسلم سواء كان رئيسا او ملكا او اميرا يتوجب عليه فور الوصول الي الحكم المبادرة بتطبيق نظام العقوبات والحدود كما وردت في القرآن, ومنذ اللحظة الاولي لبدء حكمه, يستوي في هذا حد قطع الايدي في جريمة السرقة مع حد الرجم او الجلد في جريمة الزني, وتطبيق بقية الحدود في الجرائم الأخري. وهذا من وجهة نظر الفنجري خطأ كبير. بل ويسيء للاسلام اساءة كبيرة, باعتبار ان نظام العقوبات في الاسلام جزء من نظام اكبر للحكم- توضع في احدي كفتيه الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها كل فرد من الرعية, وتوضع في الكفة الاخري الواجبات والحدود, ولا شيء غير ذلك, ومن تلك الحقوق تطبيق ركن الشوري, فلا يصح ان يطبق الحاكم نظاما يحاسب الناس, ويسقط او يهمل نظام محاسبته هو شخصيا, ويستشهد في ذلك بعمر بن الخطاب حين سأل احد ولاته' ماذا تفعل اذا جاءك الناس بسارق او ناهب؟ فقال الوالي اقطع يده فقال عمر فلتعلم اذن بانه اذا جاءني جائع او عاطل فسوف يقطع عمر يدك يا هذا' ثم وجه خطابه الي سائر الولاة', ان الله استخلفنا علي عباده لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم, فاذا اعطيناهم هذه النعمة تقاضيناهم شاكرين- وهذا هو المفهوم الصحيح الحق لشريعة الله والحكم باسم الاسلام.
بعد ذلك تناول الفجري علاقة دولة الاسلام بالدول الاخري بغض النظر عن نظمها السياسية, فيؤكد الفنجري علي ان مصلحة عموم الرعية هي الاساس في العلاقة مع الدول الاخري- اي لا ضرر ولا ضرار.
الإسلام والفنون
وعن موقف الاسلام من الفن فيؤكد الفنجري علي انه لا يوجد في القرآن او الحديث النبوي او تعاليم الاسلام ما يؤكد علي حرمانية الفن الخالي من العري والفحش, والاصل في الاشياء الاباحة ما لم يحرم بنص, مشيرا الي الاية الكريمة' انما الحياة الدنيا لعب ولهو'' محمد36', ما يعني ان دولة تحكم باسم الاسلام وجب عليها ايضا التميز بفن رفيع في الموسيقي والغناء والمسرح والسينما وخلافه.
وعن الاسلام والاختلاط يشير الفنجري الي ان تعاليم الاسلام واضحة في حفظ كافة حقوق المرأة في العمل والرزق, وان تشارك الرجال في كافة انشطة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية.
اما عن التعذيب وحكم الناس بالعصا والهراوة فقد حرم الاسلام حسبما اورد الفنجري ضرب المرء حتي لو كان متهما في جريمة, او سوقهم بالعصا لاقامة الصلاة, وحرم امتهان كرامة الناس واذلالهم, واخذ اعترافاتهم تحت التهديد, فالاسلام لا يقبل ان توجه التهم جزافا للناس او يدانوا بغير دليل واضح- يستوي في هذا المسلم وغير المسلم من ابناء الرعية.
وفي وضع الاقليات غير المسلمة في دولة تحكم بالاسلام, فالاصل في الاشياء هو العدالة بين الجميع, ولا تعرض لاصحاب الديانات الاخري او اجبارهم علي فعل ما يخالف عقيدتهم, مع تساويهم امام القانون في الحقوق والواجبات, والتاكيد علي ان قضية الجزية موقوفة في وقتنا الحالي, بحكم كونها ضريبة تفرض مقابل الاعفاء من التجنيد, مشيرا الي ان عدم الولاء الذين يشعر به بعض ابناء تلك الاقليات ينجم عن الشعور بعدم المساواة او فقدان العدل والامان, اوضياع الحقوق, وهو ما يحرمه الاسلام.
الإسلام والبنوك
وفي رده علي من قال بحرمة التعامل مع البنوك اشار الفنجري الي ان الإسلام حرم الربا تحريما قاطعا الا ان اعمال البنوك لا يمكن اعتبارها ربا, باعتبار ان استثمارها في مشاريع تنعكس ايجابيا علي جموع الناس, تعود بالربح, وتعطي المودعين جزء من تلك الارباح, ولذا يفترض الحكم بالاسلام اقامة البنوك التي تقوم علي المشاركة والمضاربة في الربح والخسارة, والمغامرة في عمل مشاريع تجارية وصناعية وغيرها, مع حماية الدولة لتلك البنوك باعتبار ان هذا النظام حيوي للاقتصاد ولا يتعارض مع الدين, وفي موضع آخر يؤكد علي ان عمل البنوك يجب ان يكون قائما علي انظمة عملية اقتصادية عادلة لا تتغافل عن المهمة الرئيسية للزكاة, في التواصل والتراحم, وسد الحاجات..
وعن السياحة يقول الفنجري ان الاهتمام بها والسماح للاخرين بالاستمتاع بها مقابل اجر ليس حراما, مع توافق كل ما يمارس باسم السياحة مع الحكم بالاسلام, وهذا لن يضر بالسياحة حسبما يقول والاصل ان السائح يزور مصر لجوها وآثارها ومشاتيها وشواطئها, وليس للخمر او الجنس والقمار وخلافه فهذه يجدها في بلده, ويستطيع الاستغناء عنها في الايام القليلة التي يقضيها في الدول التي تحكم بالاسلام.
ملابس المسلمين
وفيما يخص الأزياء والمظهر, فيقول الفنجري انه لا يوجد شيء اسمه الزي الاسلامي, وان الاسلام حدد فقط الحد الادني من جسم الانسان الذي يمكن كشفه سواء للمرأة او الرجل, اما ان النبي عليه صلوات الله كان يلبس العمامة والقميص والصديري والسروال فهذا ما كان يتناسب حينها مع الفروسية والصحراء وركوب الخيل, فلما تغيرت عادات اهل الجزيرة لبسوا الجلباب والبشت والعقال والحطة, فلكل زمان ومكان ازيائه, في مراعاة للطقس وخلافة, باعتبار ان كل ما زاد عن ستر العورة للمسلم والمسلمة مطلق الحرية في لبس ما يريد, ويري الفنجري ان الزي بشكل عام يجب ان يكون جميلا وانيقا ومناسبا لا يعوق عن اداء العمل والحركة, مثل النقاب, مشيرا الي قول النبي صلي الله عليه وسلم, لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين, واكد ان الزي الذي يتسبب في اعاقة الانتاج حرام, ولذا فمن وجهة نظره ان لكل شعب ان يختار ما يناسبه من ازياه تتناسب مع ظروفه ومناخه الاقليمي وعاداته وتقاليده.
الدستور
في الفصل الخامس من كتابه المهم يقول المؤلف ان الحكم بالاسلام يقتضي الدستور الملائم لذلك الحكم, بحيث يحتوي علي مبادئ عامة مستقاة من القرآن والسنة, وان يضعه من هم اهل لذلك من كبار رجال القانون والمفكرين والعلماء في علم الاجتماع والنفس والتربية وعلماء الشريعة والمتخصصين بحيث يتضمن كافة ما يهم الناس ومصالحهم وحقوقهم وواجباتهم, بشكل واضح قائم علي العدل والحق والشوري والمساواه, يتساوي في هذا المسلم وغير المسلم.
وفي الفصل الاول من الباب الثاني في كتابه القيم تعرض الفنجري أيضا لمفهوم العمل السياسي في الاسلام, مشيرا الي ما قاله المستشرقون الغربيون- ومنهم شاخت الالماني- عن ان الاسلام ليس مجرد دين, وانه يحوي نظريات قانونية وسياسية ونظام كامل يشمل الدين والدولة معا, الا ان الفنجري هنا يؤكد علي المسئولية في الحكم,' فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته' مشيرا الي ان السياسة اساسا خدمات وانتاج, وانه لا فرق في ذلك بين السياسة والدين, باعتبار ان الاخير حض علي حسن العمل, وان علي من يهتم بشئون الرعية وقضاياهم- بحث كافة شكاواهم وحل كافة مشاكلهم بكل تعقيداتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها- مع التاكيد علي ان المظلوم الخانع سيعامل عند الله معاملة الحاكم الظالم- باعتبار ان اعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر, ويشير الفنجري الي ان مثل ذلك العمل السياسي فريضة علي كل مسلم- منوها الي ان الزام الاسلام للرعية بممارسة السياسة يفترض بديهيا تهيئة حرية ممارستها, وضمانات حرية الراي والنقد, مع ضمان استقلالية القضاء حتي عن السلطان نفسه- ففي هذا ضمانة لرد الحقوق لاصحابها, كذلك اشار الفنجري الي ان دولة الحكم بالاسلام تحرر لقمة العيش من سلطة الدولة, باعتبار ان الاسلام يكفل الحرية الاقتصادية للفرد والمجموعة شريطة عدم جورها علي حقوق الآخرين- فحرية الفرد في الاسلام اقدم من الماجنا كارتا, والتي تنص علي ان' الرجل حر لا يقبض عليه ولا يسجن ولا يجرد من ممتلكاته ولا يهدر دمه او ينفي ولا يؤذي باي شكل من الاشكال الا بناء علي حكم صادر بمقتضي قوانين البلاد'- فحقوق الفرد في الاسلام قبل الماجنا كارتا بستة قرون كاملة, وسرد قصة عمر حين تسلق سور منزل لضبط جماعة يشربون الخمر, فرده صاحب البيت بسبب مخالفاته الثلاث' ولا تجسسوا' ودخول البيت دون استئذان, واتوا البيوت من ابوابها' واعتذر لهم عمر, وهم يشربون الخمر, ولم يستطع توقيع عليهم الحد بسبب عدم قانونية اجراءات الضبط.
الاسلام والديمقراطية
وفي شأن الديموقراطية اورد الفنجري في كتابه رأي الاسلام في الشوري في مجتمعاتنا الحالية مؤكدا عدم الفصل بين ديمقراطية نظام الحكم وديمقراطية الحاكم وديمقراطية الرعية علي السواء, مشيرا الي ان تفشي الدكتاتوريات في العالم الاسلامي اكثر من غيره, ليس لعيب في الاسلام نفسه, بل علي من يطبقون باسمه انظمة غريبة عنه, وسرد في ذلك ما قيل حول ان الشوري من قواعد الشريعة ومن تركها فعزله واجب, كما اورد كل الايات القرآنية التي تحض علي الشوري.
خاتمة
هذا هو رأي الفنجري في الحكم بالاسلام, وهو رأي يستدعي التحاور بين كل من يطمح في تطبيق هذا الحكم في مصر, وهو مرحب به في كل الاحوال, وما يريده المواطن الان من اطراف العمل السياسي في مصر هو قراءة برامج الأحزاب والقوي المختلفة والتعرف علي رؤآهم وعلي أولوياتهم وخططهم لمعالجة ما نواجهه من مشاكل في كافة المجالات, برامج مكتوبة تتضمن آليات التنفيذ وجدول زمني, لكي يستطيع الناخب من خلالها المقارنة بين الغث والسمين, ومحاسبة اصحابها في نهاية الفترة الانتخابية عن الفشل والنجاح علي السواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.