هل أقام النبى دولة الإسلام، وهل أقام الصحابة النموذج الأبدى لدولة الإسلام؟ وهل يجب علينا أن نحذو حذوهم والعمل بمثل فعلهم، رغم اختلاف الأزمان ومقتضيات العصور؟! إن مفهوم دولة الإسلام عند غالبية المتدينين هو نقل الصورة القديمة لعدل عمر وحكمة أبوبكر، وحياء عثمان، وعلم على، إلى بلاط عصرنا، ويحدوهم فى ذلك حديث رواه الإمام أحمد فى مسنده:- عن عبدالرحمن بن عمرو السلمى أنه سمع العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم عن سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد. (مسند الشاميين). إن ذلك المفهوم عن سُنَّة النبى وصحابته، أودى بحقيقة الفهم القويم للدين، وأسقط العقول فى هوة سحيقة، ومنع تطور الحياة، وأدخل الجماعات المسماة بالإسلامية فى عراك مع الحكومات!! فبالله عليكم ماذا تعنى جملة (فعليكم بما عرفتم عن سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؟ إن ذلك يعنى الحكم بالإعدام على أى تطور لأى مفكر، ويعنى أن النبى والخلفاء أحاطوا بما يمكن أن يكون عليه أمر الناس إلى يوم القيامة، وأنهم أرسوا الحلول لكل المعضلات الاجتماعية والصناعية والزراعية والإدارية!! وهو فكر منحرف، لرواية منحرفة، عن شكل الدولة، وصورة مسفة لحث الشعوب على العبودية للحكام حينما يذكر «المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد».. فلا يمكن نسبة هذا الكلام لسيد البشرية الذى كان خُلُقه القرآن، إلا إن كان الحديث لا يعنى إلا سُنّة إقامة الشعائر، وهو غير ذلك لقوله «ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا».. إن على المسلم أن يدرك أن النبى محمد وأصحابه لم يقيموا نموذجًا للحكم الإسلامى، إنما وضعوا مبادئ وأصولاً للحكم، وتركوا المرجعية فى ذلك الشأن لكتاب الله، ولا كتاب سواه، فالذين ينادون بالحكم بما أنزل الله، لابد أن يعلموا أن القرآن أعلى مصلحة العباد على كل المصالح، وجعل منها الهدف من الحكم، ولم يجعل إذعان الناس، وقهرهم لذمة منهج بعينه هو الأساس، بل إن كتاب الله يحمل ويتحمل تغيّر مصالح الناس واهتماماتهم وتوجهاتهم ويعمل على تحقيق رغباتهم طالما لم تحلل حرامًا، فالأصل أن الحياة سهلة وكل ما فيها حلال إلا ما حرمه الله فى كتابه.. أما الذين يضعون عراقيل الحياة باسم إدارة شؤون الدولة، وباسم الإصلاح، والذين يقفون عند حدود شكل ونظام دولة عمر بن الخطاب، إنما هم واهمون يتصورون بأنهم يقفون على الحق والحقيقة، بينما هم عبارة عن قشور فكرية لن تلبث إلا أن تزول سريعًا. مستشار أحمد عبده ماهر مصر الجديدة - القاهرة