جرى على ألسنة الناس في هذا العصر أن أكثر ثلاث تجارات ربحًا هم: السلاح وتليه المخدرات ثم الدعارة. والحق أن الظاهر لعيان البشر أن تلكم التجارات تحقق أرباحًا مليارية إن لم تكن تريليونية وهي تجارات عظمى لا تقوم بها إلا مؤسسات أو دول أو مؤسسات تستخدم الدول. فعالمنا عالم مقسم بين نفوذ المؤسسات. والحقيقة أن مجرد تسمية التجارة الأولى عالميًا بتجارة السلاح هي سذاجة مفرطة.. بل وجب أن نسميها تجارة الحروب. تجارة الحروب تجارة مركبة شديدة التعقيد وهي واسعة شاملة متعددة المجالات. تجارة الحروب عملياتها تحتاج إلى النفس الطويل جدًا فإشعال الحرب فن لا يتقنه الكثيرون بالذات إن كانت البشرية في حالة من النضوج العقلي، ولكن في عصرنا إشعال الحروب سهل لكن الأصعب هو توزيع الأدوار والتقسيم المقدم للغنائم بين المشعلين لا بين المتقاتلين الذين لا يغنمون إلا الخراب. تجارة الحروب تجارة معاناة، تجارة سلاح، تجارة موارد، تجارة مستقبل ملايين المساكين، تجارة مرتزقة، والكثير من التجارات. أي أنها كيان مركب فيه اتجار بالسلاح وبالبشر وبالإنسانية. إن الصفقة في تجارة الحروب كالجاموس البري، يطارده الأسد ولا يوقع به إلا إن كان ضعيفًا، وغالبًا الجاموس الذي يوقع به الأسد لا ينتبه أبدًا أنه هو أقوى من الأسد ولن تنتبه قطعان الجاموس أبدًا أنها لو وقفت يدًا واحدة فسينقرض الأسود. وبعد أن يوقع الأسد (و أنثاه هي التي تصطاد وليس ذكره) بالجاموس المسكين تتجمع الأسود وتأكل حتى تشبع، ثم تتجمع الضباع على ما تركه الأسود فتأكل حتى تشبع، ثم تأتي الطيور على أنواعها الجارح وغير الجارح فتأكل حتى تشبع، وللقارئ الكريم أن يتخيل الأمة المسكينة التي تقع تحت ضرس تجار الحروب كيف تكون بناءً على هذا المثال، فليس أكابر المجرمين هؤلاء هم فقط الرابحون بل هناك نوع خسيس من البشر وهم التجار الصغار للأزمات وهم يكونون غالبًا من جنس نفس الشعب المسكين الضحية. ونأتي للتجارة الثانية المخدرات وأيضًا الأمر أوسع من مجرد البودر بأنواعها والحشيش وخلافه مع الاعتراف أن هذه هي أم هذه التجارة طبعًا، لكن تتوسع الكلمة لتكون تجارة الأدوية. إن مؤسسات الأدوية الكبرى في العالم هي مثال على الاستغلال والقهر وليست هذه المؤسسات إلا هي عينها المؤسسات التي تبزع في التجارة الأولى عالميًا. إن تجارة الأدوية فيها من التدمير للبشرية ما لا يحصى لأنها لو كانت تجارة طاهرة نقية لما احتلت منصبًا بين تجارتين من أقذر التجارات على الإطلاق. أولًا إن شركات الأدوية تجور بكل قسوة على شعوب مسكينة لتسرق منها الأصول الحيوانية والنباتية لأدويتها الغالية بسحت وقليل ثمن إن لم تكن تسرقها متسترة تحت التجارة الأولى وحتى ما تنتجه من علاجات ليس الغرض منه الشفاء بالدرجة الأولى بل الغرض منه أن تستمر في السحب، وكم سمعنا عن علاجات ناجعة لعلاج السرطان مرض العصر ثم فجأة تختفي كأن لم تكن. ربما بعضها فشل بالفعل والباقي أكلته القطة. ولا أبالغ إذ قلت إن شركات الأدوية الكبرى عالميًا ليست إلا مكاتب فخمة لتجار المخدرات العالميين أيضًا وتمثيليات مكافحة المخدرات ليست إلا تخلصًا ممن ينافسهم في السوق في عالم ضرب الفساد فيه أطنابه. وأما التجارة الثالثة الدعارة فهي تجارة بمصائر بعض الفتيات الذين إما هم شياطين مردة بعن أنفسهن لأجل المال والسفر والمتعة (والتي لا تكون جنسية أبدًا) وإما الأغلبية المسكينة اللاتي يقعون إما ضحايا لعمليات نصب ممنهجة تقوم بها مؤسسات كبرى، بل وأنظمة حاكمة (مثل النظام العسكري في ميانمار كما أشارت عدة تقارير) تجتلب هؤلاء الفتيات إما بعلم أو بدون علم أنهم سيستغلون لهذا الهدف ثم يتربحون من أجسادهن النحيلة من بعض الحيوانات الذين يسمون ظلمًا وزورًا رجالًا. والفرق بين الدعارة ومن سبقوها أن المتاجر بها قد تنال قليلًا من أتربة المكسب الذي يناله الكبار. كما في تجارة الأدوية ينال المريض قليلًا من الصحة –بأمر ربه أولًا و أخيرًا- فيظن بنفسه خيرًا. وطبعًا للعالم العربي والإسلامي أن يفخر بكون إحدى أكبر حواضر تجارة الدعارة في أرضه، وعلى شواطئ الخليج (الفارسي- الأمريكي) ألا و هي دبي العزيزة، فكونها منطقة حرة فهي أكبر سوق للدعارة في المنطقة وهناك الكثير من المدن في بلادنا الإسلامية حواضر تتفاوت درجاتها في تجارة الدعارة "فلك الحق أن تفخر" إذا فالمتفق عليه أن التجارات الثلاث الكبرى هي تجارة بمعاناة وأحلام وحياة وحقوق البشر، تجارات قائمة على جور وظلم وإفساد في الأرض، و إهلاك للحرث والنسل. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]