محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العبودية واقع وتجارة الرقيق تزدهر
نشر في أخبار مصر يوم 06 - 04 - 2008


- أدفع 50 دولاراً.
- حسنا. هل تريد شيئاً آخر؟ أتحتاج فقط الى عاملة أو ربما شيء آخر؟ مرافقة مثلا؟
- ربما كلتاهما.
- جيد. لدي واحدة عمرها 13 سنة. واذا اردت لدي من عمرهن 11 و12 سنة. واستطيع ان ادبّر لك اوراق التبني".
هذا حوار مسجّل جرى بين "تاجر" في احد شوارع بور - أو برنس، عاصمة هايتي و"زبون" يحاول ان يشتري.
وفي مكان آخر من العالم، في بوخارست، عاصمة رومانيا، جرى هذا الحوار المسجل ايضا في احد بيوت الدعارة بين قواد يحاول اقناع زبون بشراء بنت قاصر لديها عاهة مدة شهرين:
-" الزبون: الفا أورو؟ لا أفهم. انت لا تربح بها الفي أورو في شهرين. السعر مرتفع جداً.
- فلورين (القواد): لا ليس مرتفعا اطلاقاً. انا اربح بها مئتي دولار في ليلة واحدة.
- اخبرني اكثر عن البنت. أريد ان أعرف أكثر عن البضاعة التي اشتري.
- انها نظيفة جداً. لطيفة جداً. لن تواجه أي مشكلة معها. تفعل كل ما تطلبه منها. اي شيء.
- الفا أورو مبلغ مرتفع جداً.
- لا، لا. لشهرين هذا ليس كثيراً. البنت لطيفة جداً ولا تتعاطى المخدرات وجيدة في كل ما تفعل.
- ما رايك في مبادلة؟ أعطيك دراجة نارية في المقابل. هذه صفقة معقولة!
- سيارة ربما، لا دراجة نارية. سيارة جيدة.
- داسيا (ماركة السيارة)؟ ولكن فقط اذا كنت اشتري البنت لثلاثة اشهر. والسيارة مستعملة 50 الف كيلومتر.
- موافق.
- علي ان اجري اتصالا. هل استطيع ان اغادر البلاد معها؟
- وماذا لو لم تعد؟ اريد دفعة على الحساب. لكنني استطيع ان أؤمن لها جواز سفر رومانياً".
الصفقتان لم تتما. الحواران كان هدفهما التوثيق. كان "الزبون" فيهما الباحث بنجامين سكينر الذي وضع كتابا عنوانه "جريمة متوحشة جدا" ولايزال يجوب العالم ليفضح مثل هذه الممارسات وقد خصّ مجلة "فورين بوليسي" الاميركية في عددها الاخير (اذار - نيسان) بموضوع عن هذه التجارة واورد الحوارين مسجلين في موقعها على الانترنت.
لكنهما ليسا الا دفعة على الحساب في محاولة الاجابة عن هذا السؤال: هل انتهت العبودية وتجارة الرقيق عندما بدأ تحريمها في 1807؟ وهل احياء الامم المتحدة ذكرى مرور مئتي عام على انتهاء تجارة الرقيق عبر الاطلسي في 25 اذار من كل سنة بدأت هذه السنة هو مجرد يوم للذكرى؟ بل هل ان كل الجهود التي تبذلها وكالات الامم المتحدة والعديد من حكومات الدول والعشرات من المنظمات غير الحكومية لوقف ما يسمى الاتجار بالبشر مجرد ترف؟
من يعتقد ان العبودية انتهت فليتمهل، لانه مخطئ. نقرأ اليوم عن الاتجار بالبشر، وعن اعمال السخرة وسخرة الاولاد بالايجار أو الديْن وعن الاستغلال الجنسي للكبار والصغار وعن التجنيد القسري للاولاد. ولكن فلنعترف بأن كل هذه مسميات لشيء واحد: العبودية الحديثة، عبودية القرن الحادي والعشرين.
وليس في الامر اي مبالغة. المأساة تتوثق في تقارير جدية لمنظمات دولية وكتب وفي تحقيقات صحافية تزداد منذ بدأت العيون تتفتح على هذه الكارثة الجديدة. ولا يظنن احد أن الاتجار بالبشر حكر على هايتي أو رومانيا أو ان العبودية حكر على دولة دون اخرى. الجميع متواطئون قصدا او عن غير قصد. دول "منشأ" أو دول "ممر" أو دول "مستقر". دول فقيرة أو دول غنية. دول متخلفة أو نامية أو متقدمة صناعية. في شرق العالم وفي غربه. ولا يظنن أحد أيضاً انه بعيد من هذه المأساة. انظروا حولكم. قد تسمعون قصصا مشابهة او قد ترونها في عيون كثيرين ممن بدأوا يتحولون الى شعب اسمه "العمال الاجانب" يؤمنون الخدمة في البيوت أو الشركات أو في بيوت الدعارة أو غيرها.
قد تختلف الظروف والتسميات. فزمن السفن التي كانت تعبر الاطلسي محملة بالبشر لبيعها في اسواق الرقيق انتهى، لكن الارقام والممارسات تؤكد ان العبودية لا تزال واقعا يعيشه ملايين البشر اليوم في كل انحاء العالم. هؤلاء لا يغادرون بلادهم بالضرورة واذا غادروها فغالبا بطرق شرعية ومعهم التأشيرات وتذاكر السفر في الطائرات او غيرها وغالبا ما يكونون مقتنعين بأن وظيفة لائقة تنتظرهم. اما تجار الرقيق لهذا الزمن فيسمون عادة متعهدي تأمين عمال أو وكلاء عمال.
النتيجة؟ اذا قسناها بالارقام مرعبة واذا قسناها بشهادات الضحايا مرعبة. وفي الحالين هي معيبة.
في العالم اليوم رقمان متداولان للمصنفين عبيداً جدداً: الاول 27 مليوناً وقد توصل اليه الباحث الاميركي كيفن بايلز منذ اواخر التسعينات، والثاني 3,12 ملايين وقد أوردته منظمة العمل الدولية في تقريرها عن السخرة عام 2005 ويعتبر تقدير الحد الادنى. لكن الواقع ان ليس ثمة تفاوت بين الرقمين الا في ما يتعلق بالهند حيث يقول بايلز إن عدد العاملين بالسخرة فيها يبلغ 20 مليونا.
واستناداً الى منظمة العمل الدولية، يتوزع العاملون بالسخرة كالآتي تبعا لسبل استغلالهم: 9,8 ملايين يستغلهم وكلاء أو متعهدون خاصون بمن فيهم 4,2 ملايين يستغلهم "تجار البشر"، فيما 5,2 ملايين تستغلهم حكومات أو ميليشيات. أما تقديرات توزعهم في العالم فكالآتي: 5,9 ملايين في آسيا والمحيط الهندي، 3,1 ملايين في اميركا اللاتينية والكاريبي، 660 الفا في أفريقيا غرب الصحراء، 360 الفا في الدول الصناعية، 260 الفا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، 210 آلاف في دول الترانزيت.
وأحد ابرز عناوين السخرة هو الاتجار بالبشر. واذا اعتمدنا رقم الامم المتحدة، فان واحدا من أصل كل خمسة اشخاص تقريباً من المصنفين عمال سخرة هو ضحية هذه التجارة. قد يكون راشداً، رجلاً او امرأة، او قاصرا، صبياً او بنتاً. ولكل ثمنه في هذه التجارة التي يبلغ الحجم السنوي لارباحها 32 مليار دولار نصفه في الدول الصناعية، أي بمعدل ربح سنوي يبلغ 13 الف دولار أو اكثر قليلاً على "الرأس".
ومتى عرفنا آليات عمل هذه التجارة يزول اي استغراب لحجمها وقيمة ارباحها. فهي في النهاية مصنفة ثالثة عالمياً في التجارات غير المشروعة بعد المخدرات والاسلحة. واذا كانت تجارة الجنس هي الاكثر ربحا في هذا المجال اذ تشكل نسبة 43% منها، فان "بيع البشر" لاستغلال اقتصادي يشكل 32% فيما البيع لمزيج من الهدفين واهداف اخرى يشكل 25%.
نمط وقوع الفريسة بين انياب تجار الرقيق حديثاً متشابه. غالبا ما يكون الهدف مواقع معزولة أو مخفية في الدول النامية او حتى الصناعية. الضحية عادة انسان محتاج. فقير او عاطل عن العمل أو يائس من ظروف العيش في قريته أو مدينته أو سدت النزاعات في بلده كل الافاق. يبحث عن عمل لدى وكلاء أو تجار، أو مثل اي انسان عادي يتابع الاعلانات في الصحف أو يسأل اقارب ومعارف عن فرص ممكنة. هؤلاء ليسوا بالضرورة أناساً بسطاء لكنهم مثل أي محتاج تغريه العروض الواعدة بحياة افضل. يقعون في الفخ ومتى وقعوا يصير التحكم بهم أسهل إما بالعنف والتهديد وإما بالابتزاز وغيره من الوسائل التي تخضعهم لمصلحة المتاجرين بهم.
وتبقى شهادات الضحايا أنفسهم أقوى من أي رقم أو شرح ليس لاظهار حجم المعاناة فحسب بل لشرح آليات التجارة والكسب.
☐ فيكتوريا، شابة من مولدافيا روت قصتها لمجلة "ناشونال جيوغرافيك". كانت في السابعة عشر عندما انهت دراستها وكانت تحتاج الى المال لتساعد العائلة وتكمل تحصيلها. عرض عليها صديق المساعدة للعمل في مصنع في تركيا فوافقت. ثم عرض ان ينقلها الى هناك بسيارته. في الطريق اكتشفت انه يقود السيارة في اتجاه آخر ووصل بها الى الحدود مع صربيا. أدركت ان امراً مريباً يحصل. ولكن فات الاوان. سلمها الى مجموعة من الرجال الصرب الذين زوروا لها جواز سفر جعل عمرها 18 سنة وقادوها الى داخل صربيا واغتصبوها وهددوها بالقتل اذا قاومت. ثم ارسلوها تحت الحراسة الى البوسنة. صارت فيكتوريا سلعة وروت انها بيعت عشر مرات من بيوت دعارة في سنتين بمعدل 1500 دولار، وكانت تجبر على الرقص نصف عارية وممارسة الجنس ولا ترى شيئاً من المال الذي يدفع بدل خدماتها. واخيرا تمكنت من الهرب بصعوبة كبيرة ووجدها كاتب المقال قبل سنتين مختبئة في ملجأ في مدينة موستار.
☐ كاتيا، سيدة من أوكرانيا في الحادية والعشرين من العمر تعيش مع زوجها وولدهما. قررت السفر الى تركيا في رحلة للتبضع لتكتشف لحظة وصولها أن أحد معارف زوجها ممن سهل لها الرحلة قد باعها من تاجر جنس هناك. قصة كاتيا يرويها شريط وثائقي عمل فريقه مع زوجها لانقاذها وقد نجح في ذلك بعد 23 شهراً ذاقت خلالها من المعاناة ما تذوقه كثيرات امثالها ممن روين قصصهن وكيف يحتجزهن القواد ويجبرهن على العمل شهوراً من غير ان يدفع لهن أي مقابل بدعوى ان عليهن رد الديون له.
☐ تانيا (23 عاماً) قالت "اخذوني الى فيلا في تركيا واحتجزوني فيها ستة اشهر".
☐ اوكسانا (28 عاماً) قالت إنها بيعت 13 مرة في ثمانية اشهر قبل السماح لها بالعودة الى بلدها أوكرانيا.
☐ شابة روسية استجابت لاعلان في صحيفة عن وظيفة في مطعم في الامارات العربية المتحدة. وصلت الى هناك واستقبلها رجل اخذها الى منزل وجدت فيه 12 امرأة أخرى. سألتهن بسذاجة ما اذا كن جميعا يعملن في المطعم، فسخرن منها وقلن لها "الليلة تعرفين اين تعملين". احتجزت ستة اشهر واجبرت على العمل مومساً ولم تتمكن من الهرب الا بمساعدة رجل روسي التقته.
هذه التجارة ليست حكراً على دول الاتحاد السوفياتي السابق وان يكن انهياره أدى الى ازدهارها ويبدو ان "كل بضاعة لها سعرها في دول مختلفة". احد الذين تتبعوا خيط هذه التجارة من هذه الدول تبين له ان "كلفة شراء فتاة في بلاد المنشأ، أوكرانيا في هذه الحال، تبلغ 500 – 600 دولار. واذا خرجت من اوكرانيا يرتفع السعر. اذا بيعت في تركيا فقيمتها نحو الف دولار وكلما اشتراها قواد آخر ترتفع قيمتها. واذا وصلت الى اوروبا يرتفع السعر اكثر لان دخولها الدول الاوروبية اصعب. فثمن شراء امرأة في بريطانيا مثلا قد يصل الى 30 الف دولار".
هذا في ما يسمى "عبودية الجنس"، لكن الاتجار بالبشر يأخذ اشكالا اخرى.
نساء فقيرات من الصين والفيليبين مثلا، يتلقين عروضا للعمل في جزيرة سابيان التابعة للولايات المتحدة. تغريهن فكرة وظيفة في أميركا. يتبلغن ان كلفة اعطائهن هذه الوظيفة هي ستة آلاف او سبعة الاف دولار. يقبلن بأن يكون المبلغ دينا عليهن للوكيل يدفعنه من راتبهن. وما ان يصلن الى الجزيرة حتى يتبين لهن انهن وقعن في فخ السخرة. يوضعن في ما يشبه الثكن ويوقعن عقوداً وهمية ويجبرن على القيام باعمال متعددة. لا تعرف هذه النساء ان سابيان هي عاصمة الرابطة الاميركية لجزر ماريانا الشمالية في المحيط الهادئ وانها انضمت الى الولايات المتحدة عام 1986 لكنها حافظت على قوانين هجرة وعمل مختلفة عن القوانين الاميركية، وهي مركز لصناعة الثياب لبعض اهم الماركات الاميركية مثل "كالفن كلاين" و"بولو" و"غاب" و"ديزني" "جونز نيويورك" و"تومي هيلفيغر" وغيرها الكثير. المشكلة ان واشنطن تعرف بمأساة العمال في الجزيرة وثمة دعاوى في المحاكم على بعض الشركات لكن هذا لا يغير في واقع السخرة التي يعيشها عدد كبير من العمال هناك.
رجال يتعرضون للخداع والاحتيال. فقراء يتلقون عروضا بوظائف على متن سفن صيد مثلا وعندما يصعدون اليها تذهب كل الوعود ويتحولون عبيداً في عرض البحر يمنعون من العودة ولا يأكلون الا القليل من السمك والارز، واذا مرضوا يتركون لحالهم يشفون أو يموتون. والحالات كثيرة موثقة وخصوصا في الدول النامية التي تعتمد على صيد الاسماك.
والاخبار عن الايقاع بعمال أفارقة واسيويين في السخرة في العراق ما بعد الاحتلال لم تكن مجرد شائعات. متعهدو تأمين عمال لبناء مقر السفارة الاميركية في بغداد سعوا الى جلب يد عاملة رخيصة من آسيا وأفريقيا وقيل لهؤلاء إنهم سيعملون في احدى الدول العربية لينتهي بهم الامر في بغداد وفي ظروف غير انسانية، كالعمل 20 ساعة والنوم في غرف مكدسين كالسردين، أضيفت الى ظروف الحرب.
الروايات لا تنتهي. ولكن على فظاعة ما يتعرض له أمثال هؤلاء الراشدين، لا تكتمل صورة العبودية الحديثة من دون الفظائع التي ترتكب في حق الاولاد.
بالارقام اولا: منظمة العمل الدولية تقول ان نحو 7,5 ملايين ولد هم ضحايا السخرة في العالم وان 2,1 مليوني ولد هم ضحايا الاتجار بالبشر. هذا غير ما يزيد على مئتي مليون ولد تراوح اعمارهم بين خمسة و14 عاما يعملون في ظروف صعبة جدا تقارب السخرة لكنها لا تصنّف كذلك رسمياً.
سخرة الاولاد تبدأ بابعاد الولد عن عائلته. خطف، بيع طوعي من الاهل، إستئجار، احتجاز في مقابل دين لا يستطيع أحد رده. أما الوجهة فهي الصناعات اليدوية أو القتال او التعهير داخل حدود البلد أو خارجه. والروايات الموثقة لا تنتهي أيضاً. واحدة منها حصلت في الهند أوردتها هيئة الاذاعة البريطانية في اطار تحقيقات اجرتها عن العبودية الحديثة في 2007:
اطفال بعضهم في الخامسة كانوا يلعبون في الطريق أمام منازلهم في قرية فقيرة العام الماضي. جاء رجل وسألهم اذا كانوا يريدون مشاهدة فيديو. طبعا فرح الاولاد واستجابوا له وهو يدعوهم الى ركوب الشاحنة. قادهم مسافة تبعد نحو 300 كيلومتر عن قريتهم. احتجزهم بلا اكل وضربهم قبل ان يجبرهم على بدء العمل في حياكة السجاد. اثنان من الاولاد ماتا نتيجة التعذيب وثالث برصاصة عندما حاول الهرب.
لكن اشوك، 13 عاماً، الذي يعمل في حياكة الساري منذ كان في التاسعة من عمره بعدما قررت جدته المحتاجة التي تعتني به بعد موت أهله ارساله للسخرة في مقابل دين قيمته 25 دولاراً. يعمل 12 ساعة يومياً ويأخذ يوم اجازة واحداً شهرياً ولا يمكنه الافلات الا اذا رد الدين. يعرف ان لا امل له في ذلك لانه يتقاضى 30 سنتا فقط يومياً. اما مالكه موثو بيرومال فيقول ببساطة إن اشوك سيبقى عنده الى ان يبلغ ال20 او ال 22 عاماً أو الى ان يشتريه أحد منه.
هذه الممارسات مستمرة في الهند مع انها لم تعد قانونية منذ 1976، لكن في القانون ثغرات تكفي لاستغلالها اضافة الى الفقر. أما الاهم بالنسبة الى بيرومال فهو استمرار الصناعات اليدوية نفسها. "فمن دون اولاد يعملون هكذا يستحيل ان تستمر صناعتنا". لماذا؟ أولا لان الاولاد أقل كلفة من الكبار، ثم الاهم لان حجم الاولاد وطريقة عملهم تسمح بحياكة اكثر دقة نتيجة ايديهم الصغيرة وخصوصا في السجاد ثم الحرير. فسخرة الاولاد في السجاد مثلا تنتهي عندما يبلغون 14 عاما. لكن الاولاد يجبرون على العمل أيضاً في صناعة الجلود والفضة وشق الطرق والزراعة.
والوضع مشابه الى حد ما في باكستان حيث يجبر الاولاد وأحيانا اطفال عمرهم أربع سنوات فقط على العمل في نقل حجار القرميد ورصفها والسبب خفة وزنهم وصغر ايديهم، فلا يتأثر شكل الحجار التي يبدأ العمل بها عندما تكون بعد طرية.
وهكذا في مناطق مختلفة ولاسباب مختلفة. في افريقيا مثلاً يباع أولاد من بنين وتوغو الفقيرتين الى دول اغنى مثل ساحل العاج ونيجيريا رقيقاً. تجار في غانا "يستأجرون" آلاف الاولاد من اهلهم لعشرين سنة او ما شابه ليضخوهم في صناعة الاسماك والكاكاو وزراعة الارز. الصبيان للسفن والحقول والبنات للطبخ والتنظيف والدعارة. وفي آسيا تجار يشترون أولاداً او يخطفونهم من كمبوديا وفيتنام ليصيروا شحاذين في تايلاند وفي كثير من الاحيان يصار الى تشويههم أملا في استدرار الشفقة عليهم وتالياً المزيد من المال. أهل يبيعون بناتهم ولو في عمر خمس سنوات باثمان بخسة للخدمة في المنازل. أولاد يرسلون الى دول الخليج للعمل في سباقات الهجن وغيرها. واولاد يرسلون الى اوروبا للجنس والخدمة في المنازل والمصانع.
احد الاشكال الاخرى لعبودية الاولاد هو التجنيد القسري. تقول الامم المتحدة ان عدد هؤلاء يفوق 250 الف ولد في 30 منطقة نزاع في العالم معظمهم بين 15 و18 عاماً ولكن قد يكونون أيضاً في الثامنة. هؤلاء يؤخذون من عائلاتهم بالخطف أو بالابتزاز، صبياناً وبنات، ويجبرون على القيام بوظائف عدة كالقتال وأحياناً ارتكاب الفظائع أو العمل خداماً أو جواسيس، ويضاف الى "مسؤوليات" البنات وأحيانا الصبيان تلبية الطلبات الجنسية للمقاتلين.
ولكن يبدو ان أكثر أشكال عبودية الأولاد ازهاراً، العبودية الجنسية. أرقام الامم المتحدة تظهر ان كل سنة يجري استغلال مليوني ولد في تجارة الجنس الدولية سواء داخل حدود الدول أو خارجها. بنات، في الغالب طبعا، يجبرن على العمل مومسات واذا لم يكن كذلك فيصار الى استغلالهن في عروض أو افلام إباحية أو في كل هذا معاً. فما هو ثابت اليوم ان السياحة الجنسية للاولاد تنمو بسرعة ضمن السياحة الجنسية عموما. اعداد متزايدة من السياح سنويا، من دول مختلفة في مقدمها الدول المتطورة (من ايطاليا مثلا 80 الف سائح سنويا) يقصدون دولاً نامية لهذا الغرض. والتجار جاهزون للتلبية يوقعون بضحاياهم خطفا أو شراء من الاهل لاسباب اخرى ويقدمونهم فريسة وأحياناً يوافق الاهل مباشرة على اعطاء بناتهم ولو كن في العاشرة أو الثانية عشرة "عبيد جنس" لاجانب في مقابل المال.
دالين تروي حياتها مومساً في كمبوديا وهي لا تزال في السابعة عشرة وتعيش الآن في ملجأ. "كنت أعيش مع جدي سعيدة. جاءت سيدة وانا في الثانية عشرة وسألتني ما اذا كنت أريد ان أعمل في معمل للثياب. وافقت وذهبت معها. لكنها باعتني من صاحب بيت دعارة في بنوم بنه. كان هناك العديد من الصبيان والبنات. سمعت قوادين يناقشون سعراً وقال احدهما ان سعري 150 دولاراً. لم أفهم. كنت خائفة. جاء رجلان الى غرفتي وقالا لي ان علي ان استقبل زبونا. سألت ماذا على أن افعل. اجاباني: لا تقلقي. ستعرفين ما عليك ان تفعلي. واذا لم تعرفي ستظلين تفعلينه الى ان تعرفي. ولما رفضت قالا لي انه سيكون علي ان أفعل ما يريدان. وضعا المسدس في رأسي ثم هددني صاحب بيت الدعارة بالقتل. بكيت كثيراً ولكن جوّعوني وسجنوني الى ان وافقت على استقبال زبون. كانوا يضعونني مع آخرين في ما يشبه القفص تحت البيت ولا يسمح لي بمغادرته الا لاستقبال زبون وغالبا ما كانوا يضربونني. هكذا رضخت، وصرت الشيء الذي احتقر. اشعر كأنني قذارة ولا حيلة لي". واستمرت دالين على هذه الحال خمس سنوات الى ان انقذتها الشرطة بعد اعتقال صاحب بيت الدعارة.
ومثيلات دالين كثيرات جداً في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. الجميع يعرفون مثلا ان تايلاند مشهورة بالسياحة الجنسية لكن قلة يدركون ان غالبية العاملات في هذه السياحة قاصرات يعملن بالسخرة. بينهن من خطفت أو بيعت من كمبوديا وبورما وشمال تايلاند، وبينهن من أغريت بعمل مختلف، وبينهن من تعرضت للاغتصاب للغرض عينه، أي القاء القاصرات في سوق الدعارة.
لكل منطقة في العالم حصة في سوق النخاسة الحديثة استيراداً أو تصديراً. فاذا كان الملايين من السكان في جنوب آسيا مثلاً عالقون في ما يسمى رق الديون ومئات الالوف في افريقيا لا يزالون يولدون عبيداً نتيجة نظم اجتماعية وتمييز عتيق، فان هاتين المنطقتين وغيرهما مثل اميركا اللاتينية وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق تصدّر "عبيداً جدداً" الى أميركا وأوروبا يعملون بالسخرة في المزارع أو المصانع أو الخدمة المنزلية أو بيوت الدعارة. وتصدّر أيضاً مئات الالوف من العمال الى الشرق الأوسط حيث يجد عدد لا بأس به منهم نفسه في ظروف سخرة سواء في بيوت أو شركات أو ورش.
ولا يبدو ان الجهود المبذولة لمعالجة هذه المأساة ومكافحة الاتجار بالبشر تجدي كثيراً. فاميركا انفقت مثلاً 447 مليون دولار لمكافحة مشاريع "الاتجار بالبشر" بين 2001 و2007 ، لكنها لا تزال حتى اليوم عاجزة عن تحديد النتائج. والسبب عموما بحسب منظمة الهجرة الدولية هو التركيز الخاطئ على الاسباب مثل الفقر مما يساهم في انحراف المعالجة. ذلك ان الفقر وان يكن عاملاً مسهّلاً، فهو ليس جديداً على البشر. وبهذا المعنى فان العرض هو باستمرار رخيص ولامحدود. لذا لا بد من النظر الى الجانب الاخر من المشكلة أي الطلب. والطلب على اليد العاملة الرخيصة وكذلك الخدمات الاخرى ضخم فيما القوانين التي تحمي العمال غائبة أو هشة. ففي ظل العولمة تسقط الحواجر التجارية لتسهل حركة البضائع والخدمات لكن سياسات الهجرة صارت أكثر تقييداً وتصلباً. وهذا ما يسمح بدخول الوسطاء والوكلاء والمتعهدين وما يسمح لمستعبدي هذا الزمن بتغذية العبودية. ولكن هل يحتمل العالم الذي ظن انه تخلص من نقطة سوداء في تاريخه انتظار رؤية العبودية الجديدة تزدهر؟ وهل يحتمل "العبيد الجدد" توافق الدول على قوانين الهجرة والعمل لرفع معاناتهم؟
سؤال مفتوح الآن. وربما كان على كل انسان قادر ان يمنع نمو هذه الظاهرة بما يستطيعه وفي اطاره. وقد يفيد ان نتذكر ان بعض الذين يحوكون السجاد الذي نضعه في بيوتنا مثلا مستعبدون، وبعض الذين يصنعون الثياب التي نلبس مستعبدون، وبعض الذي يعلّبون الاغذية التي نستهلك مستعبدون، ولنتذكر ان استمرار الاتجار بالبشر عبر الحدود وحده على ما هو عليه اليوم سيوقع من الضحايا في غضون عقود ما أوقعته العبودية القديمة في قرون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.