الرئيس الفرنسى جاك شيراك سيمثُل أمام محكمة باريس ليحاكم بتهمة اختلاس أموال عامة وخيانة الأمانة . والسبب - طبقاً للمعايير المصرية – واه ، وهو قيامة قبل سبعة عشر عاماً بتعيين أحد وعشرين شخصاً كانوا يتقاضون رواتب عن أعمال لم يقوموا بها فى مجلس بلدية باريس رئاسة شيراك آنذاك ، وكانت هذه الرواتب تذهب إلى خزانة حزب شيراك ( التجمع من أجل الجمهورية ) . يُفهم من هذا الكلام الجميل أن هذه الرواتب لم تذهب إلى جيب شيراك ، وإنما إلى خزانة الحزب ، ولكن بما أنها أموال عامة ، أى أموال الشعب ، فالاعتداء عليها بأية صورة ولأى مبرر يعتبر اختلاساً وخيانة يستوجبان المحاكمة . بالذمة ده كلام ! أننا فى مصر فى نعمة نرجو زوالها ، فالحزب الوطنى الحاكم يحتل آلاف المقرات المملوكة للدولة ، ومؤتمراته تتكلف الملايين وتعقد فى أفخم القاعات ولا يجرؤ أحد على مجرد السئوال عن مصدر هذه الملايين . كما أن كل وزير من وزرائنا – وهم كُثر- يعين عشرات المستشارين بملايين أخرى تسحب من ميزانية الدولة لتصب فى جيوبهم ولا عملاً حقيقياً لهم . صحيح ... عمار يامصر! . فى كرواتيا ، نائب رئيس الوزراء يستقيل لأنه تورط فى فضيحة ، وهى الاستحواز على أحدى شركات المواد الغذائية . يبدو أنهم هناك يتربصون بقيادتهم ، يتتبعون خطواتهم ويحصون أنفاسهم وكأنهم أعداء لهم . أما فى مصر فنحمد الله على ما نحن فيه من نعمة التغافل التى نرجو زوالها . واليكم ما يدل على أصالة شعب مصر واستكانته وتفريطه فى حقوقه . لعلكم تذكرون أن ابن أحد الوزراء الحاليين أثيرت بشأنه واقعة نصب على بعض المواطنين وحصل منهم على الملايين بدعوى توظيفها ، ومع ذلك الوزير لم يستقل ، وأبنه لم يصبه ما أصاب غيره من محترفى توظيف الأموال . وعضو مجلس شعب حامت حوله شبهة استجلاب وتهريب طن (أو نصف طن ) من حبوب الفياجرا الزرقاء للتجارة ، ثم ورى الأمر التراب . عمار يامصر ... ففيها توأد أية فاحشة والله أمر بالستر . وفى اليابان يستقيل وزير وينتحر آخر لمجرد خطأ صغير – بالمعايير المصرية- يقع فى وزارته . والرأى عندنا أن هذا نوع من الهبل والعباطة ، فلو أن كل وزير استقال أو انتحر بسبب خطأ كبر أم صغر ، سيأتى يوم تعانى فيه مصر من إحجام النخبة عن تولى المناصب الوزارية ، وربما تحدث فوضى لا تُحمد عُقباها . أما فى مصر فالعقل والرزانة والحرص ، لدينا وزراء أتلفوا التعليم والزراعة والنقل والبيئة ، ومع ذلك ظلوا فى مواقعهم آمنين مطمئنين واستوفوا حظهم من الجاه والسلطان ، ثم يجئ من بعدهم يكملون الإسترخاء والإستجمام . وفى أمريكا الغنية الفتية عزل مدير المباحث الفيدراليه لأنه استقل سيارة حكومية لمهمة رسمية ، وفى الطريق توقف ، - دون أن يعرج إلى اليمين أو اليسار – لقضاء أمر خاص به فما كان يجب أن يستغل سيارة حكومية من أملاك الشعب لقضاء حاجة أو مصلحة خاصة . أإلى هذا الحد تقتر أمريكا على موظفيها وهى صاحبة موارد لن تنضب ، وأإلى هذا الحد يحاسب المسئولون حساباً عسيراً على خطأ ليس مقصوداً . عمار يامصر ، فرغم مواردها المحدودة ، وقلة ذات اليد ، تغدق على وزرائها ومسئوليها ، بالسيارات الحديثة لقضاء مصالحهم ومصالح أولادهم وأهل بيوتاتهم بلا حساب . وفى انجلترا لم يسمح عسكرى المرور لسيارة الملكة بالوقوف لدقائق أمام معرض من المعارض حتى تنتهى المملكة من شراء شئ تريده . وتعليقنا أن هذا تعسف وسوء استخدام سلطة فعندنا فى عاصمة مصر المزدحمة تقف سيارات الشرطة فى الممنوع وتسير عكس الإتجاه وتتجاوز السرعات المقررة ، وتشاركها فى ذلك سيارات العليه . وفى بلجيكا استقال وزير الداخلية لأن إمرأة سوداء تعرضت لمضايقات غير مقصودة من جانب رجال الأمن فى المطار أدت إلى وفاتها . أما فى مصر فمن مهام وزارة الداخلية الاعتقال والتعذيب ، وكلُُُ ونصيبه . أرأيتم حالنا وحالهم ... أين نحن من هؤلاء القوم ... بل أين نحن من دولة الكويت وفيها محكمة للوزراء . سأنقل لكم سطوراً من كتاب لمحة إلى مصر الذى وضعه الطبيب الفرنسى كلوت بك :" مصر أكثر البلاد احتياجاً إلى تدبير أمورها بمعرفة حكومة عاقلة مدبرة ، وقضى الله أن لا يوجد على وجه الأرض بلد اختل نظام الحكم فيه "منذ عشرة قرون" اختلاله فى القطر المصرى . بل لا بلد شهد فى مدد قصيرة تناوب السلطات المحتلفة مثله على استلام زمام أموره على ما عرفت به من شدة الهمجية والميل إلى التخريب مع الدعة والتهاون والغباوة فى إدارتها" . هذا الكلام كتب قبل اكثر من مائة وخمسين سنة ، ولازلنا فى حاجة إلى حكومة تدبر أحوالنا ... بالعدل . [email protected]