لم يكن أحمد شوقي يعرف جبهة الإنقاذ في مصر عندما قال على لسان أحد الشياطين في مسرحية مجنون ليلى: مضى بالكبر إبليس أبونا: وكل تراث آدم كبرياء، والكبر هو بطر الحق وغمط الناس، والمتأمل في حوارات وحركة جبهة الإنقاذ يرى أن الكبرياء هو القاسم المشترك الأعلى بين أغلب القائمين عليها، فمنهم من يتكبر بشهرته وعظمته ومناصبه كالبرادعي مثلًا يقول عن نفسه إنه المصري الأعلى ذكرًا على شبكات التواصل وماكينات البحث وقد قابل أغلب رؤساء العالم بل وفتش الدول تلو الدول فكانوا يخطبون وده ويفزعون لتقاريره، ولذا فإن الآليات الديمقراطية التي يعبر من خلالها الشعب المصري عن خياراته لمن يلي أمره وحقه في تقرير مصيره مرهون بتصديق "دولته" على نتائج تلك الآليات يمحو فيها ما يشاء ويثبت، فإن هى أنتجت من هم دون مقام "رفيع الدرجة" كان له أن يصحح خيارات من وصفهم هو "بالمجتمع الهمجي"، وفي سبيل إخراج أولئك من الظلمات إلى النور فلا مانع لديه من استدعاء التدخل الخارجي ويقف مع البرادعي على تلك الأرضية لفيف من أهل الخارج ينظرون إلى الشعب المصري بعين الاحتقار، أما أمين جامعة أمراء الخليج المحدث بنعمتهم عليه وملايين دولاراتهم التي ما انفكوا يمطرونه بها، فلا يكاد ينطفئ سيجاره الكوبي حتي يحاول أن يشعل الفتنة تلو الفتنة ناهرًا كل صوت يصفه بأنه من الفلول يقف اليوم واثقًا كل الثقة من نصرة إسرائيل وأمريكا لشخصه مطمئنًا بعد لقائه كثيرًا منهم أنه في صدارة المشهد السياسي بعد أن تتحقق أحلام الكبراء والسادة في العودة أما حمدين فيصدق عليه قول الله جل وعلى في حديثه القدسي "وأبغض الغني المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشد" فالرجل وبعد انتخابات الرئاسة التي قادت الصدفة اسمه المغمور إلى مركز متقدم فيها تحت ضغط المجلس العسكري لا يكف عن وضع فقرات رقبته مع عموده الفقري في زاوية منفرجة حتى يكاد رأسه أن يسقط للخلف مستلهمًا صورة المهزوم عبد الناصر الجسمانية ومحاولًا استعمال بعض من عباراته التي قادت مصر إلى الهاوية وهى التي سخر منها عادل إمام بعبارة "الإمبرالية من الأمبرة". على مدى التاريخ لم يفلح المستكبرون فلم يفلح قارون عندما أنكر فضل الله وسعى في الأرض فسادًا ولم يعط ثمة انتباه لمن نصحوه بأن يذكر آلاء الله ومن قبله لم يفلح إبليس ومن بعده لم يفلح فرعون، وإن ما يقوم به ثلاثي الكبر فيما أسموه "جبهة الإنقاذ" لهو واحدة من أشد الإهانات التي تلاقاها الشعب المصري خلال تاريخه، فالشعب المصري يواجه لأول مرة صراحة بأنه غير أهل لتقرير مصيره ولا صالح لوضع دستور ولا حتى حكومة تصرف شئونه، وبلغ التطاول مداه في وصف أحدهم إياه بأنه شعب جاهل وتجاوز ذلك المدى في وصف آخر بأنه شعب همجي، والحقيقة أن تلك الأوصاف لا يمكن أبدًا أن تصدر من أشخاص يشعرون بالانتماء للشعب أو للأرض، وتتشابه مع قول قارون الذي كان من قوم موسى "فبغي عليهم" استكبارًا وإفسادًا وأصبح بحكم عمله وفكره من قوم فرعون فنالته عقوبة مشابهة لتلك التي نالت فرعون وهامان وجنودهما. لا يمكن بحال لأحد أن يفترض أن البرادعي الذي حصل على الدكتوراه في الحقوق وخبرة غالب الأنظمة القانونية للحكم كان حسن النية وهو يتحدث عن تحدي الخيارات الشعبية وتحطيم الأطر الدستورية التي شارك فيها مع الجبهة حينما دعا أنصارها إلى التصويت ب"لا " على الدستور، كذلك لا يمكن افتراض حسن النية في أمين الجامعة الأسبق الذي أعلن من قبل أنه سيحترم الخيارات الشعبية والأطر الدستورية ثم انقلب انقلابًا مفاجئًا كعادته على ما ألزم به نفسه أما حمدين فلا يمكن نسبة حسن أو سوء النية إليه لقلة خبرته ونقص فهمه ومعارفه. إن الشعب المصري بعمقه الحضاري والنفسي والفكري والديني لا يقبل بهذا الكبرياء، وقد آلى على نفسه من قبل تأديب المستكبرين عندما يطال استكبارهم مؤسساته ومقدراته، وإن كان ثمة من يظن أنه خلال الخمسين عامًا الماضية كان الشعب المصري مقهورًا فله أن يراجع كيف أدب الشعب خلال تلك الحقبة الطاغية جمال عبد الناصر حتى سجى جسمانه مسمومًا مهزومًا وكيف قوم من وصف نفسه بأنه آخر الفراعنة حتى سجى جسمانه في إحدى المشارح وقد احتوى ما احتوى من القذائف، وكيف قوّم من ظن أن الشعب "يتسلى" حتى سجا جسمانه ذليلًا حقيرًا خلف القضبان يستجدي الرأفة ويطلب الرحمة، فيا جبهة الكبرياء قوّا أنفسكم وأهليكم غضبة مصر وشعبها واحذروا أن تستكبروا على المصريين فلا أنتم أهل للاستكبار ولا شعب مصر يقبل بذاك. [email protected]