في تصريحاته الصحفية أمس رد المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان على دعوة الأحزاب الإسلامية للجماعة بالابتعاد عن الرئيس حتى لا يتعامل الناس معه على أنه رئيس للجماعة وليس رئيسًا للمصريين، قال ما نصه: إن الجماعة لن تترك الرئيس لأن السلطة مهمة ثقيلة على فرد واحد ولن يقوم بها إلا من يدعمه بمشروع واضح وجماعة كبرى، خاصة أن الرئيس يتحمل فساد ثلاثين سنة كاملة من الفساد، وأضاف: نحن قدمنا أنفسنا للشعب المصري في انتخابات الرئاسة على أننا جماعة ومشروع كبير، ولم نقدم لهم فردًا واحدًا ينفرد في قراراته"، وأعتقد أن تصريحات المسؤول الإعلامي للإخوان ربما تختصر لنا وجه الأزمة كلها الآن، فالجماعة تعتقد أن الشعب المصري عندما صوت في الانتخابات الرئاسية فهو صوت لاختيار جماعة الإخوان وليس الدكتور محمد مرسي، وبالتالي فالجماعة شريكة في مؤسسة الرئاسة بل وتعتقد الجماعة أن محمد مرسي لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية السلطة وحده بدون الجماعة ومشروعها، أي بدون وصاية وتوجيه وشراكة مكتب الإرشاد بداهة، وهذا الكلام يمثل تفسيرًا منطقيًا لتحول مؤسسة الرئاسة إلى شعبة من شعب الإخوان المسلمين، أضيف إليهم بعض الحواشي والديكورات لأشخاص لا دور لهم ولا تأثير ولا قيمة، والشخصية الوحيدة التي كان لها حضور ودور مستقل نسبيًا قرروا نفيها إلى "الفاتيكان" وهو نفس المنفى الذي حددوه من قبل للنائب العام السابق عبد المجيد محمود، وقد تجاهل المتحدث الإعلامي أن من أعطوا أصواتهم لمرسي (مرشح الجماعة) في انتخابات الرئاسة كانوا خمسة ملايين (الجولة الأولى)، بينما من أعطوا أصواتهم لمرسي (مرشح الثورة) كانوا ثلاثة عشر مليونًا ونصف المليون. أتذكر المشهد الذي كان عليه ميدان التحرير يوم أعلن رسميًا عن فوز الدكتور مرسي برئاسة الجمهورية، وخطبته الشهيرة بحضور الملايين من كل التيارات، وبطبيعة الحال انحسرت هذه الملايين الآن ولا يستطيع مرسي أن يكرر هذا المشهد بعد ستة أشهر فقط من وجوده، لتراكم سلسلة من الأخطاء سببها الجوهري عمليات إقصاء ممنهجة ومتعجلة من قبل الجماعة لكل الكوادر السياسية المهمة من الأحزاب والقوى الفاعلة وتهميشهم أو إبعادهم نهائيًا من الحكومة أو مؤسسة الرئاسة أو المحافظين أو أي إدارة رسمية مهمة، لحساب تمكين كوادر الجماعة، يحدث ذلك خلال أقل من ستة أشهر فقط، وفي تجربة ثورية يعرفون جيدًا أن لها حساسيات عالية ومخاوف من شهوة الجماعة للتكويش على السلطة كما كان يفعل الحزب الوطني وسوء ظن بالتيار الإسلامي كله وموقفه من التعددية والشراكة السياسية والديمقراطية، فبدأ الغضب يتكاثف تدريجيًا، وانتقل مع الوقت من الأحزاب الليبرالية واليسارية إلى الأحزاب الإسلامية، وعلى مسؤوليتي الكاملة، لا يوجد حزب إسلامي واحد الآن إلا وهو يشتكي مر الشكوى من المنهج الإقصائي من الأخوان للجميع ونزعة الهيمنة التدريجية على الدولة وأجهزتها وإداراتها، بعضهم جأر بالشكوى والغضب علنًا كما فعل النور، وآخرون يقولون لك في الخفاء إن الوقت غير مناسب للإعلان، وكلما هدأت الأحوال في الشارع وشعرت الجماعة بضعف ردّات الفعل زادت وتيرة الإقصاء وردت على المنتقدين لتلك السلوكيات بخشونة واستعلاء، فإذا التهبت الأمور وتفاقم الغضب واشتعل الشارع تراجعت الوتيرة وظهر الحديث الودود عن الحوار والشراكة، قيادات إسلامية عديدة قالت لي إنهم لا يتذكروننا إلا عندما يتورطون أو يشعرون بالخطر وكأننا مقاولو أنفار، فإذا ذهب الخوف وضعونا في ظهورهم ومضوا كأننا غير موجودين، وإذا شكونا لهم من وتيرة "الأخونة" استنكروا الكلام وقالوا لا يحدث وتلك ادعاءات، فإذا ذكرنا لهم بالأسماء والوقائع قالوا: وما المشكلة الرئيس الأمريكي يأتي ومعه مائة ألف من أنصاره يسكنهم في مؤسسات الدولة!!، وعبثًا نحاول أن نفهمهم أن هذا خطر، والاستعجال يورط التيار الإسلامي كله في أزمة ويهدد المشروع الديمقراطي كله على المدى الطويل، ولطالما صارحنا الجماعة خفية بضرورة الابتعاد عن الرئيس إذا كانوا يرغبون فعلًا في نجاحه، وإذا كانوا حريصين فعلًا على أن تجني مصر، كل مصر، ثمار ثورتها. [email protected]