وأنا فى طريقى لزيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام كان يدور فى ذهنى عدداً من المواقف والشخصيات التى شكلت صورة فى عقلى الباطنى لما يسمونه (النخبة المثقفة) ، ذلك المصطلح الذى طالما سمعته فى كثير من الحوارات والمناقشات الإعلامية فى الاّونة الأخيرة. وعلى الرغم من إيمانى الشديد وإداركى بمصادر المعرفة والثقافة وصفات جمهور المثقفين ، إلا أن مصادر الإعلام المرئى والمسموع وكذلك المقروء ، قد أثرت على هذه المعرفة. ربما أصابنى شيئاً من التشويش الفكرى بسبب انحرافات هؤلاء (النخبة المثقفة) عن المنهجية السليمة والإسلوب المنطقى فى التفكير والتحليل لمعطيات الأمور. وربما كان ذلك بسبب الوازع الدينى الذى يفرض علىّ اسلوب تفكير يحتكم دائما للمنهج الإسلامى والحكم على الأمور من منظور دينى ، ولما لا وأنا بفضل من الله ونعمة على إيمان وثقة فى هذا المنهج المتكامل لا فى الأمور الدينية فقط ولكن أيضاً فى أمور الدنيا. وكانت وسيلة قطار مترو الأنفاق هى البديل الأسرع لتلافى الإختناقات المرورية فى شوارع رمسيس ومداخل العباسية ، والتى تعتبر نتيجة غير مباشرة لإنحراف (النخبة المثقفة) عن ثقافة ومفهوم سلمية التظاهر ، حينها سُنحت لىّ الفرصة لمعرفة روايات وأساطير سمعتها من عامة الناس أثناء مناقشاتهم لتحليل الأوضاع الراهنة فى البلاد ، وتعجبت للقدرة العقلية فى التأليف وتفسير المعطيات وضرب الأمثلة مع إيجاد الحلول والبراهين ، مع حرصهم الشديد على اقناع الطرف الأخر. وحين حاولت نقاش أحدهم بسبب إختلافى معه فى الرأى ، وجدته يتعامل معى كخصم فى مباراة تسيطر عليها أجواء ساخنة ، وقبل أن يسمعنى جيداً وجدته يحدد بنفسه مبرراً وبرهاناً لإختلافى معه فى الرأى ، معتمداً على ظواهر الأمور ومستخدماً لنظريات المؤامرة والتبعية. وبعد دخولى إلى أرض المعارض وجدت نفسى بصدد التعامل مع عالم اّخر من البشر ، فصيل لا يختلف كثيراً فى ظاهره عن الموجودين بالخارج ، إلا أننى حينما تحدثت مع أحدهم وجدته يستمع إلىّ أولاً قبل أن يتحدث هو ، وحينما اختلفنا فى وجهات النظر وجدته كصديق يتناقش مع صديقه فى أجواء تسيطر عليها روح المحبة والتعاون من أجل الوصول إلى موقف إيجابى ، ولايهمه أن أقتنع بفكره قدر اهتمامه باسلوب الحوار المهذب والتحليل المنطقى لعرض أفكاره. حينها أدركت أن هؤلاء (النخبة المثقفة) هم جزءاً من مجتمع بات يشاهد و يسمع أكثر مما يقرأ ، واذا تناقشوا تجدهم يتحدثون دون ان ينصتون ، كل الأطراف تتحدث ولا أحد يستمع ، لذا فإن مناقاشاتهم أصبحت جدالاً لا ينتهى ، وحواراً عقيم لا يسمن ولا يغنى من جوع. لذا إن أردنا حواراً مجتمعياً راقى وبناء ، علينا أولاً الإلتزام بمبادىء الحوار المهذب واحترام بعضنا بعضاً، والإعداد الصحيح للحوار بالقراءة الجيدة ، ومن ثم الإنصات - من أجل الإستماع الجيد - حينما يتحدث الطرف الاّخر ، والتحليل وفقاً للأساليب العلمية والمنطقية الواضحة والمحددة ، بعيداً عن المؤثرات المثبطة ، من أجل الوصول إلى المصلحة العامة. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]