أصحاب الفضيلة شيخونا الكبار: المفتي و شيخ الأزهر و مولانا وزير الأوقاف، أفتوا جميعا بتأثيم كل من يقاطع الاستفتاء الذي جرى يوم الأربعاء الماضي. فتاوى أصحاب الفضلية الثلاثة، بشكل أو بآخر أنزلت "المقاطع" منزلة "مرتكب الكبيرة" ! و كادوا يلزمونه بالكفارة، و إعلان التوبة النصوح أمام أستغفر الله قابل التوب و غافر الذنب، الحزب الوطني! . لا نريد هنا أن نذكّر سدنة النظام و خدامه من كتاب و صحافيين ووزراء ومسؤولين، بأنهم ما انفكوا يستنكفون توظيف الدين في السياسة، و أنهم حريصون على أن يظل الدين في مقامه العالي، نقيا طاهرا مبرئا من شبهة ألاعيب السياسة و السياسيين. وكم تحدثوا في هذا الأمر أمام شاشات التليفزيون و على المنصات و في الندوات و المؤتمرات المخملية في فنادق ال"فايف ستارز"، و كأنهم من "آل البيت" رضوان الله عليهم، أو من أولياء الله المقربين، ممن يمشون على الماء و يطيرون في الهواء، و يعلمون ما نأكل و ما ندّخر في بيوتنا، و يبرأون المرضى، و تحل بوجودهم البركة في الأهل و المال و الأولاد!. لا نريد أن نذكّر أصحاب الفضيلة بهذه "النصائح التنويرية" التي استنوا بسنتها، شبرا بشبر و زراعا بزراع، حتى باتت مساجدنا لا تُلقى فيها دروس إلا عن الشعوذة و السحر و إخراج الجان من الجسد الذي أصابه مس، و فك المربوط، و عمل الأحجبة لمنع الحسد و جلب العرسان للفتيات ! . لا نريد أن نذكّرهم بهذا "العهد" الذي أخذوه على أنفسهم أمام النظام، أن لا يقربوا "السياسة" ما ظهر منها و ما بطن. و لكن نريد أن نسأل أصحاب الفضيلة: ما رأي فضيلتكم فيما حدث يوم "الثلاث خمسات": الخامس و العشرين من شهر خمسة عام ألفين و خمسة ؟! عندما أباح الحزب الوطني الذي أصدرتم فتوتكم الأخيرة لصالحة لنفسه هتك عرض الفتيات المسلمات في عرض الشارع، ما هو حكم الشرع فيمن ارتكب هذا الجريمة الرخيصة الخسيسة، جهارا نهارا أما كاميرات وكالات الأنباء و الفضائيات العربية و الدولية؟ . ما حكم الشرع فيمن خطط و قرر و تستر و فرض حمايته على المجرمين الذين ارتكبوها ؟ يا أصحاب الفضيلة: الذي خطط و نفذ و تستر.. كلهم معروفون، و من وفر لهم الأمن و الأمان و الحماية معروف. حتى أن إحدى الصحف المستقلة ذكرت بالاسم مسؤلا كبيرا في الحزب الوطني الحاكم و اتهمته صراحة بأنه قاد و أشرف بنفسه على عمليات هتك عرض الناشطات في شارع عبد الخالق ثروت. و اليوم تقدمت نقابة الصحافيين إلى النائب العام بمذكرة، متضمنة أسماء من تورطوا في الجريمة سواء أكانوا من الحزب الوطني أو من ضباط الشرطة، و الزميلة الصحافية التي هتك عرضها، تعرفت أمام النيابة على من تعدوا عليها. يا أصحاب الفضيلة، المشهد هذه المرة لا علاقة له بالسياسة، إنها جريمة هتك عرض، إنها قضية جنائية لا سياسية، فإذا كنتم أبحتم لأنفسكم الحكم في قضية سياسية مثل الاستفتاء و هذه جرأة غير متوقعة منكم، فما الذي يحول دون أن تتقوا الله، و تصدروا فتوى في حق المجرم الحقيقي الذي نال من شرف و عرض نسائنا و فتياتنا ؟ أعلم أن العرض محرج للغاية لكم، فالحكومة هي التي ارتكبت هذا الفعل الفاضح و في ميدان عام، بحق مواطنات من الواجب عليها حمايتهن لا أن تعتدي عليهن، و تمزق ملابسهن و تعبث في مواضع العفة من أجسادهن و كأنها بلطجي حقيقي خارج على القانون لا حكومة مسؤولة و ساهرة على تطبيق القانون. يا أصحاب الفضيلة الذي ارتكب هذه الجرائم، رجال النظام و خدمه و زبانيته، و الخطورة أنه ارتكبها في عرض الشارع أمام عشرات الآلاف من المتظاهرين، فما بالنا بما يحدث في السجون و المعتقلات و مقار الشرطة و مباحث أمن الدولة، بعيدا عن العيون أو الكاميرات ؟!. يا أصحاب الفضيلة لقد جاءتكم فرصة عظيمة لتنصفوا الحق و تنصروه.. لتتطهروا من سكوتكم لسنوات على هذا النظام و ظلمه، حتى بلغت به الجرأة أن يقترف ما من شأنه أن يطبق عليه حد "الحرابة"، فماذا أنتم فاعلون ؟