أستطيع أن أؤكد أن اللاعب الأساس في عنف الشارع هذه الأيام هم فلول النظام السابق، وأستطيع أن أؤكد بالقدر نفسه أن قيادات بالمعارضة المصرية تعرف ذلك وتغض الطرف عنه، طالما أنه يحقق شيئًا من الضغوط التي تريد أن تمارسها دون أن تتورط فيها بشكل مباشر، وبعض الظواهر الجديدة تشير إلى أن عمليات العنف تريد أن تتحول إلى ما يشبه العمل المنظم والمقنن، مثلما سمعنا واطلعنا على ظهور مجموعات غامضة ومجهولة لما يسمى بأصحاب القناع الأسود، وأي شخص يغطي وجهه أثناء العنف هو مجرم يعرف أنه يمارس عارًا سياسيًا وخارج على القانون وعلى الثورة نفسها ولا يريد أن يتعرف عليه أحد، وعندما يظهر مقنّعون بقناع أسود فمن الممكن أن يظهر مقنّعون بالقناع الأزرق ثم أصحاب القناع البنفسجي وتتحول البلاد إلى ساحة تصفيات بين ميليشيات حقيقية طالما أن بعض أجهزة الدولة غائبة ومترددة، وأنا أطالب شباب الثورة من جميع التيارات المدنية والإسلامية بإلقاء القبض على أي شخص يظهر بين المتظاهرين وهو يخفي وجهه وأن يتم تسليمه إلى الجهات الأمنية أو جهات التحقيق بعد تحقق شباب الثورة من شخصيته ومعرفة هويته ومن أرسله، لأن هؤلاء خطر على الجميع، ويمكن أن يمارسوا العنف والقتل والتصفيات الجسدية ضد الجميع، هم يقولون إنهم يتصدون للإخوان المسلمين، ولكني على يقين من أنهم سيمارسون العنف والقتل حتى ضد شباب الثورة، وسيكونون وبالًا حتى على الأحزاب التي تغض الطرف عنهم الآن وتتستر على نشاطاتهم، لا يوجد ثائر حقيقي يخاف من أن يعرفه الناس. أكتب هذه الأسطر قرب ظهر الجمعة ولم تتضح معالم أحداث هذا اليوم، التي عادة ما تتبلور في نصفه الثاني، وعادة ما تشهد العنف المجهول المصدر في نهاية المظاهرات، لأن من يمارسون العنف ويخططون له يكمنون حتى الأوقات الأخيرة، فهم غير معنيين بالاحتجاج السلمي ولا المظاهرات ولا حتى مطالب الثورة الحقيقية، هم عادة معنيون بأهداف أخرى ومدفوعون بقوة دفع لا صلة لها بالثورة، ومنذ بداية ثورة يناير وحتى الآن، وفي كل فعالياتها المهمة، كانت السلمية تجلها بالهيبة والقوة والطهارة الثورية طالما كانت الحشود المليونية الحقيقية موجودة في الميدان، وعندما تذهب الحشود وينحسر الميدان وتبقى قلة قليلة ليلًا تبدأ دوامات العنف ومحاولات الحرق والتدمير لكل ما يمكن أن تطاله أيديهم، وهو سيناريو متكرر وإن كان يزداد انفلاتًا مع الوقت وبعد أن بدأ الفلول يستعيدون شيئًا من اتزانهم وشبكة علاقاتهم مع البلطجة ويتمسحون في الاحتجاج الثوري وسط حالة التمزق والانقسام التي تعيشها القوى الوطنية التي قادت الثورة وانتصرت بها. أتضامن مع كل مصري يخرج اليوم من أجل إعلان غضبه واحتجاجه على عدم استكمال أهداف الثورة، وأتضامن مع كل متظاهر اليوم يرسل رسالة رفض للتخبط والاضطراب الذي ما زال حاضرًا في إدارة كثير من شؤون الدولة وضد ممارسات سياسية خاطئة من حزب الحرية والعدالة، ولكني أيضًا أحتفل اليوم مع ملايين المصريين بانتصار الثورة وتحقيقها أهم إنجازين يغيران تاريخ مصر الحديث، وهما إنجاز الانتخابات الرئاسية وتولي أول رئيس مدني منتخب للسلطة في الجمهورية منذ تأسيسها، وإنجاز دستور حديث وديمقراطي يحقق غالبية المبادئ التي طالما حلم بها المصريون للحرية والكرامة والعدالة واستقلال السلطات والانتقال السلمي للسلطة وتداولها، وأدين بكل حسم ووضوح أيّ محاولة لافتعال العنف أيًّا كان مصدره وأيًّا كان مبرره، وأجزم بأن من يمارس العنف في الشارع ضد أي شخص أو مؤسسة رسمية أو خاصة هو عدو لثورة يناير، أيًّا كان انتماؤه، ويتوجب على كل مخلص ينتمي بحق إلى الثورة أن يوقف أي مشهد من تلك المشاهد وأن يحول دون تشويهها للوجه السلمي والأخلاقي الذي انتصرت به الثورة على الديكتاتور ونظامه، وهو الوجه السلمي والأخلاقي القادر على إجبار أيّ قيادة سياسية جديدة على الانصياع لمطالب الشعب.