لا أعرف سببًا لهذه التسريبات المتوالية عبر الصحف الحكومية المسماة زورًا "بالقومية" وبعض صحف الفلول عن قوائم أعدها القضاء العسكرى تتعلق بمن أسموهم "المحرضين على أحداث العباسية"، وكانت بعض الجهات قد أرسلت لنا فى "المصريون" هذا الخبر قبل حوالى أسبوع، ولكنا فوجئنا بأنه مجرد تسريبات مقصودة ظلت تتوالى، وكأنها حرب نفسية، أو محاولة لابتزاز أو إرهاب قوى الثورة، التى تقف موقفًا رافضًا لسلوكيات المجلس العسكرى، والحقيقة أننى لا أفهم أى معنى لحكاية "المحرضين على أحداث العباسية"، أى أحداث فى العباسية يقصدون، هل الدعوة إلى التظاهر هناك أو الدعوة إلى الاعتصام أمام وزارة الدفاع، فلا أظن أن ذلك له أى وجه من المخالفة للقانون أو أنه سلوك مجرم، بل هو حق قانونى ودستورى لأى مواطن مصرى أن يتظاهر أمام أى مؤسسة وطنية أو حكومية، سواء كانت وزارة الدفاع أو مصلحة الأحوال المدنية، طالما أنه يلتزم بسلمية الاعتصام أو التظاهر، وجميع الحشود التى ذهبت إلى العباسية كانت تتظاهر سلميًا وتعتصم سلميًا، وكل البيانات والتصريحات والمقابلات الإعلامية، التى تمت مع منظمى الاعتصام كانت تؤكد بوضوح كاف على سلمية الاعتصام، وأنه حق قانونى، وكل أحداث العنف التى وقعت قبل المذبحة وبعدها كان المعتصمون هم المجنى عليهم والطرف المدافع عن سلميته وأمنه، فلا يوجد أدنى مخالفة قانونية فى "أحداث العباسية"، إن كانت من هذا الجانب، ربما يرى البعض وأنا منهم أن الاعتصام كان خطأ من الناحية السياسية، ولكن تلك وجهة نظر واجتهاد سياسى لا يمكن أن نفرضه على الآخرين لأنه يكون بمثابة فرض وصاية سياسية على القوى السياسية، نستطيع فقط أن نناقش المسألة وأن نقول إنها لم تكن مناسبة سياسيًا، أو أنها كانت خطأ من الناحية السياسية، ولكن عندما نتكلم على القانون، فهى حق قانونى كامل لكل من شارك فيها أو دعا إليها، وأما الأكذوبة، التى افتعلها إعلام الفلول والإعلام الحكومى بتسريبات مقصودة من "مصادر أمنية" أو "مصادر عسكرية" بأن هناك قائمة لمن حرض على أحداث العباسية فتلك خرافة أو عمل خارج إطار القانون، أيًا كانت الجهة التى تروج له أو تحاول استخدامه كفزاعة لترويع القوى الوطنية. الشىء الوحيد الذى يمكن القول بأنه مجرم قانونًا وحتى وطنيا هو أى دعوة لاقتحام وزارة الدفاع أو أى منشأة وطنية أخرى، وهو افتراض أسطورى وعاطفى أكثر منه تهديد حقيقى أو جاد من الناحية العملية والمنطقية، ولكنه حتى لو كان مجرد كلام ينبغى تجريمه، ووزارة الدفاع والداخلية لهما وضع استثنائى للأهمية الرمزية والعملية المتعلقة بعصب الأمن القومى للبلاد، فأى دعوة خرجت من شخص أو جهة لاقتحام مزعوم للوزارة أو الاعتداء عليها فهو مجرم وطنيًا وأخلاقيًا قبل أن يكون مجرمًا قانونًا، وأى شخص أو جهة دعا إلى مثل هذا الأمر لا بد من إدانته وطنيا وأخلاقيا، قبل أن تتم إدانته قانونيا، والحقيقة أنى لم أسمع طوال الأسبوع الماضى عن أحد دعا إلى ذلك، باستثناء داعية إسلامى واحد اعترض عليه جميع الإسلاميين، كلما تحدث أحد فى الموضوع استشهد به وقال: الشيخ فلان قال كذا، وأنا لم أسمعه، ولكن إذا صح نسبة هذا الكلام له فهى مسؤوليته هو، أما أن يسحب هذا الكلام على عشرات الآلاف من المواطنين السلميين الذين مارسوا حقهم القانونى والدستورى فى التظاهر فهو افتئات على الحقيقة ومجرد استغلال للإجراءات القانونية للترويع والابتزاز السياسى لا أكثر، والتحقيق الوحيد المتصور فى "أحداث العباسية" هو تحقيق سياسى أو برلمانى يمكن أن يحول إلى الجهات القضائية فيما بعد، ويفترض أن يشمل قيادات عسكرية وأمنية هى متورطة، قبل أى متظاهر، فى إشعال هذا الحريق ونشر الفوضى والدم فى محيط ميدان العباسية، مما تسبب فى إزهاق أرواح بريئة. [email protected]