اختفت فجأة من شوارع القاهرة ، المجسمات الخشبية للرئيس مبارك ، و التي أغرق بها شوارع العاصمة ، و الطرق الزراعية و الصحراوية ، بين القاهرة و المحافظات المحيطة بها ، رجل الأعمال و عضو الحزب الوطني ضابط شرطة سابق نبيل لوقا بباوي !! . المجسمات مصنوعة من الخشب الملون ، و يبلغ ارتفاعها نحو ثلاثة أمتار ، و مضاءة بمصابيح كهربائية على شكل دائري . بدا الرئيس مبارك فيها مبتسما ملوحا بيمينه للجمهور و كتب تحتها : 70 مليون مصري يقولون "نعم لمبارك" !! لقد رأيت هذا المجسم أول مرة ، معلقا على ناصية شارع عبد الخالق ثروت ، و على بعد أمتار قليلة من نقابة الصحافيين ، المكان الذي هتك فيه رجال الحزب الوطني عرض الصحفيات و المحاميات ، و علُق المجسم بعيد واقعة الاعتداء بأيام قليلة ، و لم تكن النسوة اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي قد جمعن ثيابهن الممزقة بعد !!. كان تعليق المجسم و تثبيته في هذا المكان تحديدا و في هذا الوقت بالذات ، من قبيل الجليطة و قلة الذوق ، و عكس إحساسا متبلدا ، و عقلا مغيبا و علو كعب "ثقافة المساطيل" في إدارة الدعاية الانتخابية لأعلى منصب في مصر . توقعت أن ينتبه عاقل في الجزب الوطني ، و ينصح حتى بتأجيل تعليق المجسم على رأس شارع عبد الخالق ثروت ، أو يستثنيه إلى أن تهدأ النفوس التي أشعل غضبها و ثورتها ، ما رأوه رأي العين ، حين أرتكب الحزب الذي ينتمي إليه نبيل لوقا " جريمة جنسية " سجلت بالصوت و الصورة ، و في حماية مليشيات النظام العلنية و السرية . غير أن التبلد و قلة الحياء و الغيبوبة التي أصابت الحزب الحاكم في عقله و قلبه و بصره وبصيرته ، جعلته يمعن في إذلال الناس و إهانة مشاعرهم و دهسها بلا رحمة ، إذ صار الناس في القاهرة يتنفسون مع هواء القاهرة المسرطن ، و يأكلون مع خبزها أللآدمي ، و يشربون مع مائها الملوث ، مجسمات "بباوي" المستفزة . لم يراع هذا "البباوي" حتى مكانة منصب الرئاسة و هيبته ، عندما صمم مجسمه ، و لا أدري إذا ما كان عامدا و عن قصد ، على طريقة الدعاية لعروض "السيرك" ، أو الدعاية لأفلام هنيدي و محمد سعد و أحمد حلمي الكوميدية ! . و يبدو أن الغيبوبة قد أصابت الجميع حتى بمن فيهم هؤلاء الذين يراقبون "دبة النمل" في طول البلاد و عرضها ، إذ كيف لم ينتبهوا إلى الاستخفاف الذي تعامل به هذا البباوي ب"مقام الرئاسة" ، ناهيك عما أصاب المصريين عامة من ضرر و إهانة بسبب هذا الشكل من الدعاية "البهلوانية" لأرفع منصب سياسي في البلاد . و اللافت و المهم في هذا السياق هو أن الحزب الحاكم ، أضطر إلى نشر مليشياته ليلا ، و قاموا بنزع هذه المجسمات ، لتختفي تماما من شوارع القاهرة ، و كانت فضيحة كبيرة و مخزية و ذات دلالة لا تخطئها عين المراقب ، حين كشف العديد من وكالات الأنباء و الصحف العربية و الأجنبية ، أن الحزب سارع إلى هذا الصنيع ، حتى لا تضبطه السيدة كوندليزا رايس متلبسا بهذه "المهزلة الدعائية" ، عند زيارتها المرتقبة للقاهرة . ليبرق النظام رسالة واضحة جلية للرأي العام المصري مفادها : أنه في الوقت الذي لم يكترث فيه بمشاعر شعبه ، فإنه يرتعد خوفا من وزيرة الخارجية الأمريكية ، و يعمل لها ألف حساب ، حتى قبل أن تصل إلى القاهرة بأسبوعين ، ثم يدعي حرصه على الاستقلالية و يتشدق بالسيادة الوطنية ، و أن حسه الوطني يمنعه من قبول "الرقابة الدولية " على الانتخابات !! email:[email protected]