كلما اقتربنا من ذكرى ثورة يناير الخالدة أجد نفسى تطرح علىّ العديد من الأسئلة: - كم من زملائى فى العمل أصبحت لا أزوره فى مكتبه ولا أرحب به فى مكتبي؛ وأتجنب حتى أن ألقاه فى الردهة، لأنه كلما قابلنى يحرق دمى بالإساءة لنظام الحكم الجديد فى مصر؛ وتشويه صورة الأوضاع فى مصر والتشاؤم بشأن مستقبلها فى ظل من يحكمونها؟ - كم من أقاربى أصبحت (أكنسل عليه) كلما اتصل؛ لأن رسائله ترفع ضغطى عن الدستور المسلوق والاستفتاء المزور وبطولات الزند وتهانى وعنتريات أبو إسماعيل؟ - كم مرة ثارت ثائرتى على زوجتى كلما ضبطتها تشاهد أفاعى الإعلام الفلولي، حتى راودنى الشيطان بأن أرمى اليمين البغيض ألا تدخل برامج التوكشو بيتي؟ - كم قارئ ممن سيطلعون على هذا المقال يعانون نفس المعاناة؟ سواء من التيار الإسلامى أو الليبرالى أو حتى ممن (مالوش فى السياسة). ثم أعود بذاكرتى إلى أيام الثورة الزاهرة الذاخرة؛ لأتذكر كيف كنت أنا وأنت وكل هؤلاء على قلب رجلٍ واحد، لا تنقطع بيننا الاتصالات للاطمئنان على الثورة والثوار وتبادل أخبار الميدان، كان يجمع بيننا جميعًا على اختلاف مشاربنا القلوب السعيدة بنجاح الثورة؛ والنفوس المتكاتفة لمواصلة مسيرتها؛ والألسنة الداعية لها ببلوغ بر الأمان؛ والوجوه المشرقة بابتسامات الرضا على ما منّ الله به علينا من زوال الفساد والاستبداد؛ والعيون الحالمة بمستقبلٍ أخضر جميل؛ ولم نكن قطُ مختلفين. ثم تعود بى الذاكرة إلى أبعد من ذلك؛ إلى أيام مبارك حيث أيضًا (لم نكن قطُ مختلفين)، كانت تجمعنا المجالس فيها القريب والصديق والجار متآلفين ثم ما يلبث أن يدور بيننا هذا الحوار: - اتأخرت ليه يا عم دا القعدة ما تحلاش من غيرك؟ - الله يجازيه أمين الشرطة شتمنى بالأب والأم لما قعدت ادور على الرخص فى جيوبى ودرج العربية، ومخلصتش منه إلا بحتة بخمسين. - يا عم احمد ربنا انه ما شدكش، ده أنا الصبح كنت نازل اصلى الفجر مراتى قالتلى اقعد واركح، جارنا أبو دقن جم أخدوه من ساعة؛ وكانوا جايبين معاهم تلات تريلات أمن مركزى تقولشى رايحين يحاربوا إسرائيل، وتلاقيه دلوقتى عمالين يضربوه ويحرقوه ويخلعوا ضوافره. - تصدقوا يا جماعة صاحب الشركة ادانى النهارده قايمة الناس اللى هنبعتلهم خرفان هدية العيد، اتجننت لما لقيت فى القايمة لواءات شرطة ورؤساء بنوك ووكلاء وزارة والأدهى قضاة. - يا عم خرفان إيه اللى بتتكلم عليها!.. فى ناس رشاويها عربيات وفلل فى مارينا وطرب حشيش وكمان ولا مؤاخذة نسوان، ربنا يستر على ولايانا. - على ذكر الحشيش الحاج فلان عضو مجلس الشعب أخد ترخيص بالأرض أملاك الدولة اللى فى جسر السويس، ولو تشوف النهارده يا ولداه البوليس بيهد اكشاك الصفيح اللى كانوا قاعدين فيها الغلابة وبهدلهم ضرب وسحل وتعذيب عشان يفضوا الأرض لسعادة النائب تاجر المخدرات. - بصراحة لازم يعمل كده عشان يرجع اللى دفعه؛ ماهو دافع 200 ألف لأحمد عز عشان يدخل البرلمان، وقبلهم بكام سنة دافع 100 ألف لكمال الشاذلى عشان ابنه يدخل الشرطة. - لما تبقى الأوضاع كده، والسواد والفساد فى كل مكان فيكى يا بلد، يبقى له حق رئيس أثيوبيا يهدد مصر ويقول هحجز مية النيل ومصر متقدرش تعملى حاجة. يقولون إن المتفائل هو من ينظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، بينما ينظر المتشائم للنصف الفارغ، ولذلك يختلفان فى الحكم على الأمور؛ ولكل من يؤلمه ما يراه فى مصر هذه الأيام من حراكٍ وارتباك؛ وخلافٍ واختلاف فيتحسر على العهد البائد قبل الثورة ويقول: "ولا يوم من أيامك يا مبارك!.. على الأقل ما كناش بنقطع فى بعض!"، أرد عليه قائلاً: "يا سيدى.. نحن لم يجمعنا مبارك.. بل جمعتنا فى عهده الأسود.. كأسه الفارغة".