وصل بي الطفش من "ساس يسوس سياسة" مبلغه، ولولا كرهي للعن، وعدم استساغة لساني له، لكررت مقولة الإمام محمد عبده الشهيرة: "لعن الله ساس يسوس سياسة".. ومقولة عايض القرني"أعوذ بالله من السياسة". لذا صرت أهرب متعمدًا من حديث السياسة -ولو مؤقتًا – في حالة "بيات شتوي" مادمنا في الشتاء الآن، وأجنح إلى ما يفيد القارئ، ولو كانت خواطر حرة يفيد منها الكثير، بعد أن مل الكثير أيضًا السياسة ومن يتحدثون في السياسة. وهذا الذي صنعته وأنا أتابع التليفزيون أيضًا وبدأت لا أرى إلا بعض قنوات محترمة، وهي نادرة جدًا، ولولا ضيق الوقت عندي و"حرمانية" أني أضيعه فيما لا يفيد، لاستبدلت هذه البرامج النابحة الناعقة- التي دوشتنا ليلًا ونهارًا على الفاضي- بأفلام إسماعيل مع عبد الفتاح القصري أو مع الشاويش عطية، واشتريت دماغي!! فياسين والقصري وعطية، أفضل ألف مرة من أن تعيش ساعة وساعتين وأحيانًا أكثر في مهاترات بين أناس في الاستديو، وبين متصلين من مشاهدين، أكثر مهاترة، مما يجعلك تكره نفسك والمحاورين والضيوف والفضائيات التي تعمل ذلك عن قصد وسوء نية وخبث طوية، مما يجعلك تختلف مع أهل بيتك وأولادك مثلًا وتزيد رقعة الخلاف وما أدراك ربما تصل إلى ما لا تحمد عقباه وأنت "لا ناقة لك ولا جمل" في كل هذه الحوارات. فمثلًا هل تريدون مني أن أغثكم كل يوم بحديث "الشرشحة" بين الإسلاميين وبعضهم البعض من جهة وبين الإسلاميين والعلمانيين من جهة أخرى، فبكري "يشرشح" إبراهيم عيسى، وعكاشة "يشرشح" كل من يقابله في طريقه، الصديق قبل العدو، وائل الإبراشي لا يبقي ولا يذر في استعداء المصريين على بعضهم، وعمرو أديب "يردح" لكل إسلامي، وتعضده لميس، وبعض الإسلاميين يردون عليه وعليها بالمثل؟ أم أغثكم بحديث الزميل الصحفي أحمد عطوان الذي يكشف حقائق عن تعذيب المصريين المعتقلين في الإمارات، وهو يصرخ على صفحته فيس بوك للنائب العام وجمعيات حقوق الإنسان المصرية أن أدركوا المعذبين هناك، ولا حياة لمن ينادي، والإعلام لا يتعرض لمثل هذه القضية لكنه يتعرض لكل ما يهز هيبة الدولة ومؤسسة الرئاسة من قريب أو بعيد. أم تريدون مني أن أغثكم بحديث الاتحادية والاعتداءات التي حدثت وهذا يلوم الشرطة والآخر يلوم المتظاهرين وثالث يلوم الشعب كله؟ أم تريدون منى أن أغثكم بحديث 25 يناير وما سيقع فيه أو ما يحتمل أن يقع فيه وأزيد مخاوفكم وهواجسكم فتملئون رعبًا والحكاية مليئة بالرعب أصلًا من كل شيء؟ أم أحدثكم بمن يبشرنا بإفلاس مصر ويصر على تأكيد انهيار الاقتصاد حتى تضيق صدورنا ونشعر أننا سنأكل ورق الشجر- إن عثرنا عليه- ثم نلوي على أكل الجيف من شدة المخمصة التي سلتم بنا، ولا يعترف بما تقوله الصحف العملاقة غير المصرية وهي تبث الأمل وتقولها صراحة إن مصر دولة عريقة تأبى على الإفلاس؟؟ أو ما قاله حمدين في تصريحه: إن السياسة في المسجد تجارة دين"، وكأنها في الكنيسة مثلًا كما قال صاحب النكتة الحراقة "تجارة انجلش"! ولا التصريح السياسي الخطير الذي قاله البرادعي إن ثلاثين في المائة من البلد إسلاميون وكأن الباقي بوذيون وسيخ وعباد بقر مثلًا!! بعد ذلك كله وبعد ما بعد ذلك كله أيضًا، أليس من حقي أن أعتزل الأحداث المتعبة والمرهقة لي ولكم ولو قليلًا؟؟ لي صديق "محب" في صداقته "وديع" في محبته، لامني في رسالة إميلية، على ما أنا فيه، ووصفني أني شبه منعزل عما يجري في مصر وأحداثها، وأني وأني.. كان ذلك حبًا منه ومتابعة لي، أشكره عليها، وفتحت فاهي دهشًا؛ إذ كبسولاتي اليومية لم تترك حدثًا تعيشه مصر إلا وقالت فيه وزادت، وعادت وخاضت، واسأل هذا الرابط يخبرك. http://www.almesryoon.com/21/index.1.html ولو رجعت إليه سوف تجد "عشرميت" كبسولة تتناول الشأن المصري كله على جميع مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والإنسانية. غير أني عندما أنتصر للشرعية القائمة يجعل مني البعض ويصنفونني، مع أني لست مصنفًا ولا أحب حكاية التصنيف هذه من أصله، وعندما أترك الحديث عنها وأتكلم في شؤون أخرى غير سياسية يعاتب البعض بأني منزوٍ عن الأحداث وبعيد عنها.. وهذا الذي أصابني بالطفش (المؤقت) وأقول (المؤقت) لأن" بياتي الشتوي" لن يطول بالطبع ولن أنعزل عن المجتمع وأحداثه وحوادثه لأنني فرد فيه شئت أم أبيت، غير أن الاسترخاء مطلوب سيما وأني منذ ثلاث سنوات متصلات لم أستمتع بإجازة سنوية. *************************** ◄◄ آخر كبسولة ◄ أَلَمٌ أَلَمَّ لَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ؟ إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ = تفسير هذا اللغز كالتالي: الشطر الأول) ألم) أي وجعُ، ( ألم ) أي أحاط بي، (لم ألم) أي لم أعلم به، ( بدائه) أي بمرضه.. وتفسير الشطر الثاني: ( إن) أي إذا ( أن) بتشديد النون أي: توجع، (آنُ) أي صاحب الألم، (آن) أي: حان، (أن) أي وقت، ( أوانه) أي: شفائه! = هذا عمنا الشاعر الكبير المتنبي الذي بلغ العلا بحسن بيانه وقوة شعره وجزالته مدحًا وهجاءً ووصفًا، انظروا كيف طوع الكلمات بقوة معرفته باللغة وجعل لكل كلمتين متشابهتين معنى مختلف عن المعنى السابق وفي النهاية يعطيك المعنى الإجمالي للبيتين بجمال ودقة وعذوبة.. من منكم قرأ للمتنبي أو حفظ له شيئًا يقوي به لغته وملكته الشعرية، أخشى أن يسألني واحد: "من هذا المتنبي؟" أو "بيبيع إيه بسلامته؟" دمتم بحب [email protected]