....... ... أما الصنف الرابع فهو من أحط الأصناف أخلاقًا، وأدْنَئِها طباعًا، وأخسها نفوسًا، وهو الصنف الفضّاح للعورات الذي يكمن كالثعبان، يتتبع النساء والأسرار، ويلتقط الصور والأخبار، ويسجل الأصوات واللفتات؛ ليهتك ستر الحرائر، ويبتزهن وأهلَهن، ولا يألو جهدًا أن يغرر بقاصرات، أو ساذجات، يتعيش من ذلك، ويسعد به وينتشي! مع أن تلويث عرض امرأة أو رجل الآن - في ديننا وأعرافنا، وفي موازين الرجولة والمروءة - من أسوأ أنواع القتل والاغتيال الحقيقي والمعنوي.. وهؤلاء الضباع يدورون بمسجلاتهم الدقيقة، وكاميراتهم الخفية، والناب الأزرق (البلو توث) مستغلين غفلة البنات، واندفاعة الشباب، وقلة الرعاية، ليصوروا، ويوزعوا، ويبتزوا، ويتمادوا في الانتهاك والخساسة وانعدام المروءة. ويشبههم - إن لم يكونوا علَّموهم - أبطالُ صحافة الفضائح، المتخصصون في ملاحقة الشخصيات العامة، وانتهاز غفلتها، وتصويرها، ومساومتها، بل ويصنعون سيناريوهات لقصص وهمية، يركِّبون لها الصور، ويزوِّرون فيها الحقائق. ولسيادتك أن تقرأ أبواب أخبار النجوم، والحوادث في الصحافة العربية؛ لتلمح ذيول هؤلاء الجرذان. ويسمونهم في الغرب: بابارَزِّي. وهم - كما تعلم قارئي - الذين قتلوا الست أم ويليام ديانا بنت سبنسر بتاعة دودي، بعد أن فضحوها، ومرغوا شرفها وشرف أبو ويليام جوزها بالزفت! • لكن الأسوأ على الإطلاق هم الرجال الذين لم تعد في وجوههم قطرة دم، ولا في نفوسهم شبهة كرامة، ولا في قلوبهم ذرة احترام، من أولئك الذين يتاجرون بنسائهم - حقيقة أو مجازًا - لا يتوارون ولا يبالون، بعضهم يعرضونهن لحمًا مكشوفًا في الشوارع وأماكن أخرى، وبعضهم يصل إلى أمداء أبعد، فيأكل من ورائهن الشهد، ويركب بسببهن السيارات الفارهة، ما يجعلك تحار، وتندهش، وتعتقد بسبب هذه النوعية الخسيسة أن البشرية (نازلة سقْط) كما يقول التعبير الشعبي، أو تهوي من حالق، كما يقول العربي الفصيح! بل صار عَرض العورات موضة وتحررًا في أعراف من كانوا أحرارًا، وعلى أيدي بطلات الأمة ومبدعاتها من بتوع الأزياء والسينما والتليفزيون وأفلام الفيديو، والحفلات التي ترقص فيها إحداهن، وهي محتشمة لدرجة تقارب العري الكامل، طبعًا من باب التجرد الوطني الصادق، والشفافية، والوضوح المهني، والانخلاع من كل شبهة تقصير في حق الشعب. العجيب أن نماذجنا الحقيقية (مش الفالصو) كانت تهتم بموضوع العرض - بمعناه العام والخاص - بدرجة عالية جدًّا، ولا يقبلون لؤمًا في السلوك، ولا خسة في التصرف، ولا شبهة في العرض (بمعناه الخاص) وكان شاعرهم النبيل يقول: إذا المرء لم يَدْنَس من اللؤم عرضُهُ .. .. .. فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ ويعطينا الإمام الشافعي رحمه الله وصفة عظيمة لصيانة العرض، وكرامة النفس: إذا شئتَ أن تحيا سليمًا من الأذى.. .. وحظُّك موفورٌ وعرضُك صيِّنُ لسانَك لا تذكر به عورةَ امرئٍ .. .. .. فكلُّك عوراتٌ وللناسِ ألسُنُ وعينُك إن أبْدت إليك معايبًا .. .. .. فَصُنْها، وقل يا عينُ للناس أعينُ وعاشر بمعروفٍ، وسامح من اعتدى .. .. .. وخالِطْ، ولكن بالتي هي أحسنُ ويعتبر الشرع - كما مر - العرضَ جزءًا من الإنسان؛ في إطار حفظ النفس. وقد عد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم (أربى الربا عرض الرجل المسلم) فإذا كان الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية، فإن أعلى أشكال الربا عرض المسلم: أن أسيءَ إليه، أو أنتقصَه، أو أتكلمَ في حق أهله. ويسبغ الدين على الإنسان درجة الشهيد إذا مات دون أهله - عرضه - فهل رأيتم إعلاءً للعرض، (الحق الأدبي أو المعنوي، كما يقول الخواجات) أعلى من هذا المدى؟ ويعتبر الشرع كلام الناس في حق أحدنا (عرضه) اعتبارًا بالغًا، فإذا قالوا إن فلان رجل طيب ومحترم وكريم، فقد قُبلت شهادتهم فيه، ويستر الله تعالى عنهم ما لا يعلمون. وإذا قالوا إن فلانًا رجل سيئ، أو غير نظيف، فقد قبلت شهادتهم فيه؛ لأن الناس (شهود الله في الأرض). وهذا المعنى لا يصنعه إعلام، ولا يقدر عليه أي نوع من البروموشن، فمهما دفع شريرٌ ليحسِّن صورة نفسه، ومهما فعل، فإن الله تعالى يزرع بغضه في القلوب، ويضع الذم له على الألسنة، في حين أن آخرين - أنقى وأطهر - لا يبذلون جهدًا ولا يفعلون شيئًا، لكن الله يطيب ذكرهم، ويُجري الثناء عليهم؛ حتى على ألسنة من لم يعرفوهم! وهذا المعنى فيه تدخُّل إلهي، وليس إلى البشر؛ فالله تعالى هو الذي يضع الحب للمخلوق أو البغض؛ لأن القلوب بيده سبحانه وتعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الحديث الصحيح:[إن الله تعالى إذا أحب عبدًا نادى جبريل: يا جبريل: إني أحب فلانًا فأحبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل أهل السماء (الملائكة) يا أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له الحب في الأرض. وإن الله تعالى إذا أبغض عبدًا نادى جبريل: يا جبريل: إني أبغض فلانًا فأبغِضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل أهل السماء (الملائكة) يا أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغض في الأرض]. لا أريد أن أتجاوز فأتحدث عن أمثال سائرة مِثل (أنا ف عرضك/ دخيلك/ يا بلحة يا مأمعة/ اطلعوا ياهل الحارا دي.. شوفوا عرض العروسا دي) ولا عن فنون إضاعة العرض - عرض الإسلام، وعرض الأمة، وأعراض الرجال والنساء - من خلال السينما التي طالما تحدثت عن الراقصة الشريفة، والمنقبة المجرمة، وأفلام الفراش (المستنيرة المتحضرة) - وعن أدب الاستباحة، وتجارة الجنس، ومونولوجات سيد الملاح الله يرحمه (كنتي فين ياااا بت... وأكلتها بمزاجي)! فهذا يستحق لقاء آخر من لقاءات بسيولوجي.. نسأله تعالى أن يستر عوراتنا وأن يؤمن روعاتنا... وفي أمان الله. [email protected]