عندما قرأت خبر قيام النائب السابق بمجلس الشعب حمدى الفخرانى برفع قضيتين ضد رئيس الجمهورية، واحدة لإيقاف التعامل بالربا فى البنوك والأخرى لإغلاق الملاهى الليلية ومنع الخمور والقمار، تذكرت ما فعله سيدنا عمرو بن العاص - قبل إسلامه - عندما ذهب إلى الحبشة فى أثر الفئة المؤمنة التى فرت بدينها بعيدا عن فتنة التعذيب والابتلاء فى مكة، وكان على رأس هذه الفئة جعفر بن أبى طالب. حينها تفتق ذهن داهية العرب عمرو عن حيلة ذكية توقع أنها سوف توغر صدر النجاشى ملك الحبشة على ضيوفه المستضعفين، الأمر الذى يدفعه لأن يقوم بتسليمهم لعمرو على طبق من ذهب. توجه عمرو للنجاشى -المسيحى- بكل ثقة ورباطة جأش قائلا: إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولًا عظيمًا، قاصدًا من ذلك أن يضع المؤمنين المهاجرين اللاجئين لعدل النجاشى بين خيارين أحلاهما مر. لم يكن عمرو يؤمن بعيسى ولا بأمه عليهما السلام، وبالتالى فلا يهمه أن يكفر بهما جعفر وأصحابه، ولكن أراد عمرو أن يضع المؤمنين بين مطرقة الكذب وسندان المواجهة مع النجاشى وبطارقته. ولما اجتمع الفريق المؤمن ليقرر ماذا يصنع إزاء هذا الاختبار العسير، قرروا أن يجيبوا بما أخبرهم به الله عز وجل من فوق سبع سماوات. وحين جمعهم النجاشى ليسمع ردهم قرأوا قول الله تعالى من أوائل سورة مريم، ففوجئ الجميع - وأولهم عمرو نفسه - بأن النجاشى صدق ما قالوا ولم يزد عليه حرفا. ومثلما كان عمرو لا يعنيه من قريب أو بعيد موقف الفئة المؤمنة من عيسى وأمه، كذلك فإن الفخرانى لا يكترث كثيرا لموقف الدولة من الخمور والقمار والملاهى الليلية. ولكن أراد الفخرانى -كما أراد عمرو- أن يضع مرسى وجماعته بين مطرقة الرفض وسندان تطبيق الشريعة. إذا رُفضت الدعوى يملأ الفخرانى -والإعلام من ورائه- الدنيا ضجيجا وصخبا بأن جماعة الإخوان التى خدعت المصريين طوال العقود الماضية بوهم تطبيق الشريعة ترفض تطبيقها، وهو ما يؤكد وجهة نظره أنهم ما أرادوا إلا السلطة، أما قصة الشريعة فهى الكوبرى الذى يعبرون عليه للكرسى. وإذا قُبلت الدعوى فسوف تنقلب الدنيا أيضا على الإخوان الذين جاءوا لإكراه الناس على الشريعة غير عابئين بالركود الاقتصادى والمعاناة اليومية التى يعيشها المصريون. وعلى الرغم من أن الحكم بيد القضاء، لا بيد الرئيس وجماعته، إلا أنه لا مانع من إثارة البلبلة والفتنة، مجرد حلقة أخرى فى سلسلة محاولات الإفشال والتعجيز التى ملتها الجماهير ولكن لم يصب أصحابها الملل بعد. أحيانا أتخيل إبليس واقفا فى شرفة منزله فى العالم الآخر يستمتع بما يراه من الحيل الشيطانية المبتكرة من أمثال الفخرانى، إلا أننى لا أستبعد فى حالتنا هذه أن يصرخ بأعلى صوته مستنكرا: يا أخى... اتق الله.