اتصل بي بالأمس أحد آباء المعتقلين في سجن وادي النطرون رقم واحد واسم ابنه عماد وهومن شبين القناطر ووجدت الرجل يتحدث إلي وكله أمل أن يتولي أحد التدخل من إنقاذ ابنه من المأساة التي يعيشها منذ عام 2003 وهو طالب بكلية التجارة وكنت قابلت أمه في الاعتصام بنقابة المحامين وأفادتني أنها تأت كل يوم من شبين القناطر من أجل ابنها. أعلم أن الفراعنة الصغار حين يتقارب زمانهم وتأفل دولهم ونظمهم وتصغر أحلامهم وعقولهم ، يتشددون ، ويصيبهم داء التعصب والجمود وربما قلة الفهم والحيلة معا ، متصورين أن هذا الجمود هو تعبير عن الاستقرار ، وأن الجهامة والتعصب هو تعبير عن القوة ، وأن الغضب والاستهانة بما يجري حولهم هو دليل الثقة بالنفس ، وكلها تكون ألعاب نفسية من أجل توصيل رسالة للمعارضين أننا لازلنا أقوياء . لكني آمل أن يعرف نظام الرئيس مبارك أن هؤلاء الناس البسطاء من المصريين لا هم من المعارضة ولاهم ممن يتشوقون لكرسي السلطة ، هم ممن يكملون عشاهم نوما ، وهم لايعرفون الألاعيب النفسية والسياسية التي خبرها رجال الحكم والمعارضة، هم من عامة الشعب المصري وليس لهم أمل سوي أن تقر أعينهم بخروج أبنائهم من المعتقل . ولذا أقول لمبارك افعلها مرة واحدة صح في حياتك وستكون مأثرة مهمة لك وإعطاء لأمل أنك لازلت بعافية وقدرة علي اتخاذ قرارات صحيحة ، افرج عن المعتقلين السياسيين جميعا وبقرار رئاسي يغير الأجواء الكئيبة التي تخنق الناس . النظم الملكية تفرج عن المعتقلين ومن صدرت بشأنهم أحكام كبيرة من السياسيين وغيرهم ، فلماذا النظم الرئاسية هي القاسية القلب ، أفكلما كان المرء أو النظام عقلانيا وحداثيا كان قلبه من الحجارة القاسية أو أشد ، لماذا تفرجون عن الجنائيين وحدهم ، ساووا بين السياسيين والجنائيين ، كنت أود لو كان الرئيس مبارك جرب الحبس حتي يعرف مرارته وقساوته خاصة في هذا الصيف اللهيب . أفرج عن المعتقلين السياسيين ولا تطع من حولك ولا تسمع لهم ، وهذا ملف يجب أن يوضع علي مائدتك ، شعرت والله بالخجل وكل الدنيا من حولنا تتحرك ، السودان أعلن اليوم إلغاء الطوارئ في بلاد هي أكبر ونصف مرتين من مصر وفيها توترات ومشاكل فيما عدا منطقتين فقط فيهما اضطرابات . ماذا ستقدم لشعب مصر في برنامجك الرئاسي القادم ، الحياة في عصركم لم يعد لها طعم ولا لون ولا رائحة ، نريد أن نشعر بالحركة بالتوتر بالانفعال بالفرحة . أدخل الفرحة علي أمهات المعتقلين وأعلن الإفراج عنهم، اعمل حاجة مهمة وكبيرة تثير الاهتمام إليك . لماذا سينتخبك المصريون لفترة رئاسة خامسة وجديدة ، ماذا عندكم لكي تبشروا به ؟ نريد حزمة إصلاح حقيقي ومتكامل يبدأ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ، لأنهم لم يعد لديهم قدرة ولا صبر ولا تحمل ، بعضهم من عشر سنوات وأكثر ،فأي قدرة يمكنها أن تتحمل ؟ وأنا هنا لا أتحدث عن المعتقلين بالداخل ، ولكن الأسر كيف تدبر معاشها ؟ كيف تدبر أمر الزيارات إلي أبنائها ؟ كيف تدبر الآثار النفسية والاجتماعية لأبنائها ؟ كيف تدبر أمر حاجاتها الفطرية والإنسانية والأخلاقية ؟ لوكانت السيدة سوزان مبارك ذاقت مرارة فراق ولوعة بعد الأبناء في السجون لكانت أحست بهؤلاء النسوة ، كلهن وجوه مصرية لكنها نحيلة من التعب والإرهاق والهم ، لو كان جمال مبارك بين هؤلاء المعتقلين لكانت بسرعة طالبت بالإفراج عن أبنائهم ، أنت تحبين ابنك وهن أيضا ، وهم مظلومون لو كان عليهم أي غبار كانوا حوكموا ؟ هم بريئون من كل خطأ ، فقط كانوا يصلون في المسجد أو يدعون إلي الخير ، هم خيرة أبنائنا ، واستمرار حبسهم يجعل نظام مبارك ينطبق عليه قول الله تعالي " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " وأظن أن هؤلاء الملوك الذين يفعلون ذلك بالقري هم الملوك اللئام الذين تسوروا سدة الحكم وليسوا من أهله . كفاية .. أهالي المعتقلين ذنبهم في رقبة نظام مبارك كله ،لأن هذه الكارثة الجريمة لم تحدث حتي أيام ستالين ،كفاية وأفرجوا عن المعتقلين وإلا فالظلم وبال وخسران ، وكأني أري الظالم يقف غير بعيد يعض أصبع الندم ، بصره شاخص ، تمزقه الحسرة ويشقه الألم ، ولعل الشعب بحسه التفاؤلي هوالذي صك مقوله " لكل ظالم نهاية " ليعلن انتصار الحق والشعوب المظلومة في النهاية .