العداء للصحابة والتطاول عليهم قضية قديمة جديدة، يُقصد من ورائها الطعن فى الإسلام؛ لارتكازه فى نقله وتفسيره على هذا الجيل العظيم فى صفاته وأخلاقه، والطعن فى الناقل طعنٌ فى المنقول الذى وصلنا عن طريقه. وفى هذا يقول الإمام النسائي: «إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام: الصحابة، فمَن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام؛ كمَن نَقَر الباب إنما يريد دخول الدار» [مختصر تاريخ دمشق 3/103، تهذيب الكمالللمِزِّى 1/339]. ويقول الإمام ابن تيمية: «إنَّ أولَ هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقًا وعِلْمًا وعَملًا وتبليغًا، فالطعن فيهم طعنٌ فى الدين؛ مُوجبٌ للإعراض عما بعثَ الله به النبيين، وهذا كان مقصود أول مَن أظهر بدعة التشيع؛ فإنما كان قصده الصّدّ عن سبيل الله، وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله» [منهاج السنة النبوية 1/18]. وقد نطقت ألسنة الحاقدين بهذه الحقيقة، فقال بعض الزنادقة: «أما قولنا بالرّفض فإِنّا نريد الطعن على الناقلة فإذا بطلت الناقلة أوشك أن يبطل المنقول» [تاريخ بغداد 5/504]. وهذا اعتراف بتعمُّد القصد والإصرار على إبطال الكتاب والسنة المنقولين عبر عقول وقلوب الصحابة الكرام، فالصحابة طريقٌ ينتهى بالإسلام، فإذا قُطع الطريق لم نصل للإسلام، ولهذا كان الإمام أبو زُرْعَة الرّازى دقيقًا عندما وصف الحالة بقوله: «إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحدًا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاعْلَمْ أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول عندنا حقّ، والقرآن حقّ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطِلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة» [الكفاية للخطيب 97]. فإنما يقصد هؤلاء الزنادقة هدم الإسلام بطعنهم فى الصحابة الكرام، الذين نقلوا الإسلام إلى الأجيال اللاحقة، التى لم تشهد عصر الإسلام الأول، فهم مصدر النقل وأساسه، شاهدوا الوحى ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم، فنقلوه كما شاهدوه إلى مَن بعدهم. فالطعن فيهم طعنٌ فى المنقول عن طريقهم. ثم هو من جهة أخرى طعنٌ فى النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل ما يُوجه لهم فهو يتوجّه إليه صلوات الله عليه، وحاشاه وحاشاهم، وإنما يورِّى أعداء الرسل بالطعن فى الصحابة عن الطعن المباشر فى الرسل، خاصة فى خاتمهم عليهم السلام، وفى هذا يقول ابن تيمية: «القدح فى خير القرون الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم قدح فيه عليه السلام، كما قال الإمام مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما طعنوا فى أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين» [مجموع الفتاوى 4/429، الصارم المسلول585]. وكما اعترف الزنادقة بسوء قصدهم فى جريمتهم السابقة؛ اعترفوا هنا أيضًا، فقد «أَخرج الدِّينَوَرى فى (المُجالَسة) عن عبد الرحمن بن عبد الله الخرفى قال: كان بدء الرافضة أن قوما مِن الزنادقة اجتمعوا، فقالوا: نشتم نبيهم، فقال كبيرهم: إذًا نُقتل! فقالوا: نشتم أحباءه، فإنه يقال: إذا أردتَ أن تُؤذى جارك فاضرب كلبه، ثم تعتزل فتُكفرهم، قالوا: الصحابة كلهم فى النار إلا عليّ، ثم قالوا: كان على هو النبى فأخطأ جبريل!» [«مفتاح الجنّة» للسيوطى 127]. فانظر إلى هذا التدرج الغادر فى الطعن على الإسلام، وكيف يبدأ الحاقدون بالطعن على الصحابة للتسلل من وراء ذلك إلى الطعن فى الإسلام نفسه؟ فالصحابة هم الذين نقلوا الشريعة أولاً، وبلُغتهم وعُرْفهم وفهمهم يتسنّى لنا تفسير المنقول ثانيًا؛ لأنهم قوم النبى عليه السلام، الذين نزل الوحى بلسانهم، كما قال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» [إبراهيم:4]، فالطعن فيهم تضييعٌ لهذا كله. ويكفى الطاعن الحاقد على الصحابة من القبح والذم أن يكره قومًا: «رَضِى اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» [التوبة:100]. وقال فيهم النبى عليه السلام: «لا تسبوا أصحابي، فو الذى نفسى بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه» [رواه البخارى 3673، ومسلم 2540]، وقال: «خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» [البخارى 2652، مسلم 2533]. [email protected]