سنوات الجَمْر والخمْر فى مِصْر

نعود لخالد يوسف وفى أحد البرامج على قناة "صدى البلد" توقعَ بحسه السينمائى بناءً على ما استوحاه خياله أثناء تكتيكه العالى فى تصوير هيفاء وهبى فى فيلم "دكان شحاتة" أن يحدث فى مصر عام 2013م نفس ما حدثَ بالفيلم؛ أن ترقصَ هيفاء بالطبع وأن ينزلَ الجيش للشارع.
خالد الذى كان ومازال وسيظل يتمنى تنصيب حمدين صباحى رئيساً لمصر ليحركه كما شاء من وراء ستار فى خدمة الهلس والدنص، كما حركه من قبل يوسف شاهين فى أحد أفلامه، أكدَ أن الجيش سيضطر للنزول لحماية المواطنين وليس انقلاباً على الشرعية.
ووضعَ المخرج السينمائى السيناريو هكذا؛ سيدرك التيار الإسلامى أنه هُزم هزيمة ساحقة، فيلجأ للعنف، وهنا لن يسمحَ الجيش بقتل أبناء الشعب المصرى فى الشوارع، فينزل الجيش لحماية الناس!!
"ستوب".. مخرج فاشل وسيناريو فاشل وخيال مريض وقلوب سوداء حقودة وضمائر ميتة ووطنية مَعْدومة، وقد رَسمَ الصحفى عادل حمودة سيناريو مشابه، وهو ليس ابتكاراً ولا إبداعاً من هذا أو ذاك، إنما رغبة شيطانية فى استنساخ ما عُرف بسنوات الجَمْر فى الجزائر، لتطيب لهم وتدوم خمرُ السلطة والهوى والمال والأضواء والشهرة والنساء.
ما حدث فى الجزائر يريدُ خالد يوسف والبرادعى وعادل حمودة ونجيب ساويرس وممدوح حمزة وآخرون حدوثه فى مصر؛ فقد تم الانقلاب على الشرعية وعلى اختيار الجزائريين الديمقراطى للإسلاميين، وألغيتْ نتائج الانتخابات بعد الفوز الساحق لجبهة الإنقاذ الإسلامية، وجروا الإسلاميين إلى العنف؛ فبعد أن كانوا سياسيين يترشحون فى الانتخابات ويقبلون بقواعد الديمقراطية صارَ من لم يتم القبض عليه منهم مسلحاً بالرشاشات للدفاع عن نفسه، واختفت معالم الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليظهر على الساحة "الجيش الإسلامى للإنقاذ" و"الجماعة الإسلامية المسلحة" و"الجناح العسكرى للجبهة الإسلامية للإنقاذ".. إلخ.
العشرية السوداء أو سنوات الجمر التى حصدت أكثر من 500 ألف قتيل وجريح ومفقود ومُغتصبة، وتم فيها إبادة قرى بأكملها، وشهدت شوارع وقرى ومدن الجزائر حوادث قتل واختطاف وتفجير سيارات ملغومة واغتصاب نساء وتدمير وحرق لأملاك خاصة وعامة وذبح لشخصيات عامة ورهبان ومثقفين ومطربين.
ضباط جيش هربوا واعترفوا بما كانت ترتكبه كتائبُ الموت "نينجا" بقيادة الجنرال الدموى محمد العمارى، وقصص يشيب لهولها الولدان من فبركة منظمات إسلامية تتزيى بالزى الإسلامى تمتهن الإبادة والقتل الجماعى، وبعدها تمت المصالحات وقايض العسكر السلطة مع الساسة مقابل طى صفحة الماضى دون عقاب أحد على جرائم الإبادة الجماعية.
ما ينفخ فيه خالد يوسف ومن على شاكلته وما يجرى على الأرض هو محاولة يائسة لجر أبناء التيار الإسلامى الذين يمثلون عمود الخيمة للثورة الآن والحصن الأخير لها إلى السلاح والعنف والقتل.
الإسلاميون فى مصر على اختلاف تنويعاتهم من إخوان إلى جماعة إسلامية إلى سلفيين – وهذا ما لا يدركونه - قد وعوا دروس الماضى جيداً؛ فلم يعد بالإمكان خداعهم وتوريطهم فى صراع مسلح بسهولة، فضلاً عن أنهم اليوم فى سدة السلطة مما يجعلهم أكثر حرصاً وحذراً فى مثل هذه الملفات، ويجعلهم أكثر شعوراً بالمسئولية وبدورهم فى الاحتواء والتهدئة بعيداً عن منطق الثأر والانتقام رغم كل ما مُورس عليهم من ضغوط وارتُكب فى حقهم من جرائم.
المخمورون بحب أمريكا والمُولعون بثقافة وفنون الشرق والغرب، يفوتهم أن جيشنا ولاؤه لمصر وللمصريين، وليس به جنرالات هواهم فرنسى أو أمريكى كخالد نزار أو غيره.
ليسَ فيلماً يا هذا تفبركه فى استديوهاتك مع كأس وغانية... إنها مصر.