سعدت جداً بحملة «وطن نظيف» التي أطلقها الرئيس منذ عدة شهور كأحد أهدافه في برنامج المائة يوم. كانت سعادتي مصحوبة بترقب ماذا سيحدث بعد انتهاء الحملة هل سيكون هناك آليات لاستمرار الحملة وعمل جدول زمني لها يتناسب مع كل منطقة ؟ أم أنها مجرد حملة مثلها مثل العديد من حملات النظافة التي تنظمها بعض الأحياء أو المدن ولكنها تشمل جميع أنحاء مصر؟ لقد كانت فرصة جيدة جدا للانطلاق نحو تحقيق هدف الحصول علي وطن نظيف طالما حلمنا به. لقد شارك في الحملة مسئولو المحليات والعديد من الجهات المعنية في العديد من الوزارات وقد رافق الحملة آلاف من الشباب المتطوعين للمشاركة عملياً في تنظيف الشوارع أو عمل حملات لتوعية الناس بأهمية النظافة. لقد ضرب لنا الشباب المصري أروع الأمثلة أثناء وبعد ثورة يناير وقبل انتخاب رئيس الجمهورية، فقد قام العديد من الشباب بتجميل أحيائهم اعتمادا علي سواعدهم وبتمويل ذاتي دون اللجوء إلي الدولة وطلب المساعدة منها. فالمصريون يحتاجون فقط لرؤية جيدة ومنظومة ناجحة ليس فقط في موضوع النظافة ولكن في مختلف المجالات وأنا علي ثقة أنهم سيلتزمون وسيقومون بفعل المستحيل لإنجاح هذه المنظومة. مما لا شك فيه أن حملة وطن نظيف كانت منظمة وتم بذل جهد كبير فيها ولكنها افتقدت للرؤية البعيدة المدى أو بمعني آخر كانت لمجرد الوفاء بأحد النقاط التي وعد الرئيس بأنه سينفذها في أول مائة يوم. لمواجهة المشكلة بأسلوب منظم، فإنه لابد من دراسة جيدة تعتمد علي البيانات الموجودة لدي القائمين علي النظافة في مصر حتى لو كانت شركات عشوائية أو منظمات أهلية. فالتخطيط الذي يبني علي بيانات غير دقيقة أفضل من التخطيط الذي ليس له علاقة بالواقع. ولا يجب بأي حال من الأحوال أن نقوم بحلول مؤقتة أو تعتمد علي شباب متطوعين قد نجدهم اليوم وربما لا نجدهم غداً. الدور التطوعي مطلوب ولكنه يكون يوم في الشهر مثلاً وفي المناطق المحيطة بالمنازل فقط كما هو الحال في اليابان مثلا. في هذه الدولة يتجمع سكان كل منطقة يوم في الشهر ويقوموا بتنظيف الشوارع المحيطة بمنازلهم في زمن لا يتعدي 20 دقيقة وذلك بتقسيم أنفسهم إلي مجموعات منظمة مستخدمين بعض ادوت التنظيف المتاحة في كل مبني والتي يشترك السكان في شرائها مسبقاً. هذه اليوم الشهري الهدف منه ليس فقط النظافة بل يقوم رئيس كل مبني بإطلاع السكان علي أي أخبار تخص المبني أو أي مصروفات قام بصرفها خلال الشهر بالإضافة إلي روح الفريق التي يستمتع بها الجميع خلال القيام بالنظافة والتي تساعد في . وهذه الحملات لا تتعارض مع شركات النظافة، فشركات النظافة مسئولة عن جمع القمامة يومياً وذلك بعمل جدول أسبوعي بحيث يتم إلقاء كل نوع من القمامة في يوم وكل نوع له كيس بلاستيك بلون خاص، فمثلا البلاستيك والأشياء القابلة لإعادة التدوير في يوم وكل ما هو قابل للحرق كمخلفات الطعام في يومين والأشياء الغير قابلة للحرق والغير قابلة للتدوير في يوم آخر. هناك أنواع أخرى من المخلفات كقطع الأثاث والأجهزة الكهربائية مثلا لها آلية معينة للجمع. وأيضا تقوم الشركات بالمرور في ساعات متأخرة من الليل في كل شارع لالتقاط أي قمامة قد يلقيها بعض قائدي السيارات فترة الليل. لقد استفادت الكثير من الدول المتقدمة مثل ألمانياواليابان من القمامة ونجحوا في تدويرها واستغلالها أفضل استغلال وتوفير ثروات طائلة نتيجة إعادة التدوير أو التخلص الأمثل المناسب لكل نوع من أنواع القمامة. ساعدهم في ذلك تخطيطهم الجيد وتوجيه البحث العلمي إلي مجال التدوير وأيضا مشاركة كل فرد من أفراد المجتمع، فبدون التصنيف الذي يقوم به الأهالي قبل إلقائهم القمامة ستكون مهمتهم صعبة جدا في إعادة التدوير. للأسف الشديد قامت الحكومة المصرية قبل الثورة بالتعاقد مع شركات أسبانية وشركات فرنسية وشركات ألمانية لتنظيف محافظات مصر دون وضع خطط مستقبلية للاستغناء عن هذه الشركات . وصل بنا الحال أن عجزنا عن تنظيف بلادنا فكيف نتطلع لنهضة أو تقدم ونحن نطلب من دول أخري أن تنظف بلادنا. وهل نجحت هذه الشركات في نظافة مصر ؟ الإجابة طبعا هي لا. فقد تحدثت مع مسئول في وزارة البيئة وأخبرني أن هناك مافيا تتحكم في قمامة القاهرة علي حد تعبيره. وهؤلاء يحاربون الشركات الأجنبية بكل ما أوتوا من قوة. الحل من وجهة نظري أن تتبني الدولة هذه القضية وتقوم بإنشاء شركات حكومية أو تدعم المستثمرين المصريين وتقوم بتوظيف كل الشباب اللذين يعملون الآن في هذا المجال في هذه الشركات لكي لا يقوموا بمحاربة هذه الشركات. بالإضافة إلى ذلك يجب الاهتمام بعمل حملات توعية للاهتمام بالنظافة وتوفير صناديق للقمامة خاصة في الأماكن العامة والمنشئات الحكومية وعمل غرامات لمن يلقي بالمخلفات في غير الأماكن المخصصة لذلك وتشجيع الاستثمار في مجال تدوير القمامة. ومن الحكمة أن لا نبدأ من الصفر بل نبدأ حيث انتهى الآخرون، فنستطيع أن نرسل بعض المسئولين والعاملين في مجال النظافة إلي أحد الدول التي نجحت في هذا المجال كاليابانوألمانيا مثلاً ويقوموا بنقل الخبرة في هذه البلاد ومن الممكن أن يتم الاستعانة بهم في الشهور الأولي من تنفيذ المشروع. نحن الآن بعد ثورة يناير ونعتقد أن الكل يسعي لنهضة هذا البلد العظيم ونتمنى أن لا تتأخر انطلاقة البدء في مثل هذه المشاريع التي تهتم بالبيئة. فإذا صلحت البيئة المحيطة بنا فسوف تنصلح كل حياتنا بإذن الله. أسأل الله أن يحفظ بلادنا وأن تتبوأ مكانها المناسب بين دول العالم المتقدم. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]