في مقاله بال (كريستيان ساينس مونيتور) منذ شهور، تناول كاتب الجريدة دان مورفي موضوع الإصلاح في مصر التي وصفها بأنها "عملاق المنطقة النائم" ، وقال إن الأمل في حدوث تغيير فيها هو الأكبر من بين جميع الدول العربية لأن لها تجربة سابقة في الديمقراطية والتعددية. وما يقوله مورفي يتفق مع ما أكدته مرارا من قبل ، وهو أن العرب لن تقوم لهم قائمة إلا من مصر. هذا اليقين يستند إلى تجربة أربعة عشر عاما قضيتها في الولاياتالمتحدة وبريطانيا تعايشت خلالها مع المسلمين من جميع الجنسيات عربية وغير عربية. من هذه التجربة توصلت إلى قناعة مفادها أنه لا يوجد أكثر من عقل المصري الملتزم بأخلاقيات وفروض ومبادئ دينه إتساعا للأفق ووعيا بقضاياه . وهو العقل الأكثر إستنارة وإعتدالا وتفقها لمقاصد الإسلام وأهدافه. بناء على تجربتي تلك أقول إن مصر حُمّلت شاءت أو أبت مسئولية النهوض بالعرب ، وأنها بالتالي مؤتمنة على قيادة هذه الأمة وتقديم القدوة لها في كيفية مواجهة التحديات المفروضة عليها. غير أن مصر تقودها قيادة لا تقدر حجم المسئولية الملقاة عليها ومهمومة بأمر واحد فقط : عرش الرئيس وكيفية تأمينه لجمال والأثمان الباهظة المطلوبة لذلك . إن عجز القيادة المصرية عن تقديم القدوة وتقاعسها عن قيادة العرب هما أحد أهم أسباب المهانة الذي نعيشها اليوم. والقيادة هي المسئولة عن نوم العملاق المصري ، ويشاركها المسئولية كل من يتقاعس عن العمل من أجل تخليص مصر من حكم هذا النظام بالنضال المدني السلمي . فقد تحول التلفزيون المصري منذ سنوات إلى أداة لحقن جرعات التخدير في ثقافة ووجدان شعب مصر: من سموم الفيديو كليب لترسيخ ثقافة الإباحية وإفشاء الفحش والزواج العرفي بين شبابنا وبناتنا ، إلى التسطيح والتسفيه والتجهيل الذي تردت إليه برامج التلفزيون المصري . وحتى يضمن صفوت الشريف إستمرار التلفزيون في القيام بهذه المهمة التاريخية ، قام بتسليم مسئولية التخدير والإلهاء والتضليل إلى عقلية تابعة مضمون ولاؤها. من أكثر وسائل التغييب الأخرى فعالية ، إغراق الإنسان في مشاكل وهموم لا تنتهي حتى لا يلتفت إلى السياسة وما يرتبط بها من حقوق ، فتبقى ثروات البلد في جيوب القلة الفاسدة المتسلطة عليه. وفي ظل الإلهاء والتغييب لاينتبه الشعب إلى الجرعات المسمومة التي تحقنه بها جماعة الحكم وتستهدف تحويله من عملاق إلى قزم لايعيره العالم أهمية. ولأن الإسلاميين هم التيار الأقدر على إيقاظ العملاق من نومه ووقف جرعات التخدير والسم التي يتجرعها غصبا عنه ، فهو يظل التيار المستهدف محليا وإقليميا وعالميا. وفي هذه المسألة بالذات تلتقي مصالح إسرائيل مع مصالح فريق أحلامها من الحكام العرب ، الذين يعود إليهم الفضل الأول في كل ما حققته من إنجازات. وهكذا نرى الإسلاميين مُستثنون من حقوق المواطنة السياسية ، فلا يسمح لهم بأحزاب ، وتشطب أسماءهم في إنتخابات الإتحادات الطلابية ، ويمنعون حتى من السكن في المدن الجامعية وكأن الهدف هو تدمير مستقبلهم كما يفعل يهود أميركا بخصومهم السياسيين . وكما انتزعت إسرائيل أهل فلسطين من أرضهم ونفتهم بعيدا عنها ، كذلك يفعل الصهاينة في أميركا ومصر، حيث يُنتزع الكاتب الشريف المحترم من قرائه ويُنفى بعيدا عنهم لأنه لا ينافق الحكم القائم ولايسكت على فساده . إن كبار المفكرين الأمريكيين المحترمين من أمثال نوام تشومسكي وجور فيدال ممنوعون من النشر في كبريات الصحف الأمريكية ، فلا نطالع كتاباتهم إلا على الإنترنت. [email protected]