على حد تعبير الدكتور سعد الدين إبراهيم (فضائية الجزيرة) هناك ثلاثة فزاعات يلجأ إليها نظام مبارك لتجنيد الأمريكيين إلى صفه ضد المعارضة المصرية : الديمقراطية ستأتي ب "البرابرة الإسلاميين" ، ومبارك فقط هو الذي يستطيع ضمان أمن إسرائيل وإستمرار السلام معها ، والإصلاح الإقتصادي يجب أن يحتل الأولوية لوأد أحد أهم دوافع الإرهاب. هذه الفزاعات من جانب مبارك يستخدمها المنظرون الأمريكيون كذرائع لتبرير "تراجع" أميركا عن تشجيع الديمقراطية في العالم العربي . يقول واين وايت من معهد الشرق الأوسط في واشنطن والنائب السابق لمدير مكتب المخابرات والأبحاث التابع لوزارة الخارجية الأمريكية (كريستيان ساينس مونيتور 17/5) : " ليس من العدل توقع أن تحقق أميركا كل شئ بمفردها بينما تلتزم ديمقراطيات أوربا الصمت حول قضية الديمقراطية في العالم العربي . الألمان والفرنسيون يعلمون أن المنطقة في حاجة ماسة إلى الإصلاح ولكنهم لاينطقون لأن أميركا هي التي تقف وحدها في الواجهة تتلقى الضربات (بتعبير آخر لماذا تخاطر أميركا وحدها بعلاقاتها مع الحكام العرب) . كما أنه من السذاجة توقع أن تتمخض وعود الإصلاح التي تعهد بها الحلفاء العرب عن شئ ذي قيمة. إن تاريخهم مخيب للآمال . والحقيقة المحزنة هي أنه إذا لم تتم الإصلاحات فإن دولا كثيرة في المنطقة ستتجه إلى القلاقل . ولكن هذا هو حال الدول الدكتاتورية : إنعدام الرؤية." وفي تقريره من القاهرة ، يقول دان مورفي مراسل (كريستيان ساينس مونيتور17/5) المخضرم إن "إعتقال الآلاف من معارضي مبارك خلال الأسبوعين الماضيين يضع الكرة في ملعب واشنطن التي توازن بين ما تعلنه من مناصرة لقضية الديمقراطية، وبين الأضرار المحتملة التي تهدد مصالحها الآنية مثل الحرب على الإرهاب والتطبيع العربي مع إسرائيل وتأييد الحرب على العراق والنفط . فهناك رغبة أمريكية واضحة في تجنب إثارة غضب حلفائها في المنطقة ، خاصة وأن مصر تشارك الأمريكيين في مناورات عسكرية وتساعد الجهد الأمريكي في العراق بتدريب قوات الجيش العراقي الجديد. بسبب التحالف في الحرب على الإرهاب والرغبة في مكافأة مصر على صنع السلام مع إسرائيل ، تمنح أميركا مصر سيطرة كاملة على إنفاق أموال المعونة الأمريكية . والسياسة القائمة حتى الآن هي ترك مصر حرة في التعامل مع المعارضة كما تشاء دون أن يكون لذلك تأثير على الأموال المقدمة." أما ريتشارد هاس ، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الذي يصدر مجلة "فورين أفيرز" ، فيطرح في كتابه الأخير بعنوان "الفرصة" رؤيته حول ما يجب أن تنصب عليه إهتمامات السياسة الخارجية. وفيما يتعلق بقضية نشر الديمقراطية في العالم العربي ، يقول : "الديمقراطية صعب نشرها ومستحيل فرضها. والانتخابات وحدها لا تضمن الديمقراطية .. إنه أمر غير مرغوب فيه وغير عملي أن نجعل تشجيع الديمقراطية مبدأ أساسيا للسياسة الخارجية. هناك تهديدات ملحة مثل إيران وكوريا وروسيا والصين يجب أن تحتل أولوية قبل كيفية حكم الشعوب لأنفسهم .. إننا بالقطع نرغب في فلسطين ديمقراطية، ولكن لايجوز إعتبار هذا الأمر ضرورة . إن إشتراط تحويل فلسطين إلى ديمقراطية قد يؤدي إلى تأجيل مفاوضات السلام لسنوات طويلة ، وهو ماقد يقود إلى مفاقمة التطرف والعنف. ما يجب أن نهتم به هو ليس طبيعة الحكومة الفلسطينية ، وإنما رغبتها في ، وقدرتها على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وتنفيذ الإلتزامات المفروضة عليها." هذا الكلام الأخير الذي خطه أحد أشهر نشطاء السياسة الخارجية في الإدارات الجمهورية الثلاثة الأخيرة ، ومنها إدارة بوش الإبن الأولى التي تولى خلالها رئاسة هيئة تخطيط السياسات في الخارجية الأمريكية ، يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية في ظل التراجع الواضح عن الالتزام بالديمقراطية. فقبل ذهاب محمود عباس إلى واشنطن ولقائه مع بوش ، كان يصر على إجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية في موعدها . وفور عودته قرر تأجيلها. إذن هناك قرار إسرائيلي أمريكي ليس فقط بعدم السماح لحماس بتحقيق نصر إنتخابي ، وإنما أيضا بإجهاض ما حققته من نصر، وذلك بالتحايل لإعادة الانتخابات في القطاع . والهدف من التأجيل والإعادة هو السماح بفترة لطبخ المسألة بطريقة تحول دون وصول حماس إلى أي من مواقع المسئولية. والظاهر أن نظام مبارك صاحب الخبرة الطويلة في طبخ وتزوير الانتخابات سيلعب دورا رئيسيا في هذا الشأن ليؤكد ما نشرته (الجارديان) مؤخرا عن تواطؤ هذا النظام مع الأمريكيين والإسرائيليين للحؤول دون تمكين المقاومة الفلسطينية من تحقيق أية مكاسب إنتخابية. لقد تغيرت إذن قواعد اللعبة. فبعد أن كان إصلاح السلطة الفلسطينية وإلتزامها بالديمقراطية قضيتين تحتلان الأولوية في ظل الانتفاضة والرغبة للتغطية على جرائم الإحتلال بإلقاء اللوم على الفساد والاستبداد الفلسطينيين ، يعود الأمريكيون إلى عادتهم القديمة. ولما لا ؟ ألم يحصل شارون على ما كان يريده من مصر، وبلا مقابل ؟