لم تعد قضية التصريحات المتتالية والمنتجة والمعدلة للدكتور أحمد نظيف تثير أي استغراب من حيث حدوثها وإنما فقط من حيث أسبابها. والتفسير الأكثر ترددا هو خبرة الدكتور بالسياسة لكن هذا تفسير غير واقعي لأن إنعدام الخبرة السياسية وهذا(وهو موجود) لا يعني أن يقوم أي شخص بإلقاء الكلام على عواهنه وبالذات أنه كلام واضح وموضوع بدقة لتحديد مواقف سياسية وفكرية يسعى الحكم الآن إلى تمريرها. التفسيرات الأقرب هي أن التصريحات التي يدلي بها الدكتور نظيف تستخدم كبالونات اختبار من جانب الحكم لطرح مواقف معينة واختبار ردود الأفعال ناحيتها وتقدير قوة ردود الأفعال هذه ثم التصرف على ضوئها. وهذا التصور صحيح على الأقل في مسألة حديث الدكتور رئيس الوزراء عدة مرات (وليس مرة واحدة) حول العلمانية في مصر وكأن المقصود هنا هو التمهيد لما يسمى بالتعديلات الدستورية التي قيل أنها سوف تطرح بعد أشهر قليلة. ولكن بجانب طرح بالونات اختبار ثم ترك الدكتور نظيف يتحمل مسئوليتها أمام الرأي العام بينما يقف الآخرون بعيدا هناك كذلك عملية وضع ستار دخاني يخفي وراءه تطورات موضوع الوراثة. فالدكتور لم يكن أبدا موضع اهتمام أحد وبالذات الإعلام قبل حكاية أو هوجة التصريحات الأخيرة لكنه فجأة تحول إلى نجم إعلامي يصدر التهديدات ويعد بمشاريع خيالية مثل مشروع إنشاء هونج كونج ثانية في الإسكندرية وما شابه. وحدثت هذه الهوجة بالتحديد في وقت تنفيذ سيناريوهات التوريث مما يدل على أن هذا الطرح المفاجئ وغير المناسب للدكتور في مقدمة الأحداث الإعلامية مقصود به تحويل الأنظار إليه وتفريغ طاقة نقدية هجومية مشتعلة في البلاد فيه بدل توجيهها نحو مجموعة الورثة التي تستغل الموقف لتعمل من وراء ستار تصريحات الدكتور الدخانية بهدوء وراحة. وهناك هدف ثاني وراء هوجه تصريحات الدكتور وهو حرقة أمام الرأي العام بحيث لو فكر البعض (مثل الأمريكان) في الدكتور كبديل ولو مؤقت للورثة فإنهم سوف يجدون أن لا فائدة من ذلك، ويبدوا أن دفع الدكتور إلى الإدلاء بتصريحات تثير الجدل وتبعث ردود أفعال قوية ومبررة كان المقصود به التدليل على أنه لا يصلح لأي مناصب سياسية وأنه لو وصل إليها فلن يصلح لها بينما الورثة هم العباقرة الوحيدون المؤهلون لحكم البلاد بحكم وراثة العبقرية أو الحق الشيطاني. المهم في هذه العملية كلها أن الورثة كشفوا عن مدى ضعفهم بالكشف عن خوفهم من منافسة محتملة لهم من جانب الدكتور. [email protected]