فى الثامن ديسمبر 1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم داخل الأراضى المحتلة العائدة مساءً إلى قطاع غزة، على وشك القيام بوقفتها اليومية المقيتة أمام الحاجز الإسرائيلى للتفتيش داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى إلى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا فى القطاع)، ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرآى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع بركان الغضب الشعبى صباح اليوم التالى من مخيم جباليا، حيث يقطن أهالى الضحايا الأبرياء، ليشمل قطاع غزة برمته وترددت أصداءه بعنف فى أرجاء الضفة الغربيةالمحتلة وقت تشييع جنازة الشهداء الأربعة، فقامت المروحيات الإسرائيلية بإلقاء القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من المواطنين، ثم فرضت سلطات الاحتلال منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء فى قطاع غزة. وفى اليوم التالى تجددت المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال، حيث عمت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة فى أكبر تحد لسلطات الاحتلال وإجراءاتها التعسفية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وواجه أبناء الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال بصدورهم العارية، وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، مما أدى الى استشهاد وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال. وفى قطاع غزة تحول الصدام بين الجماهير وقوات الاحتلال إلى معركة حقيقية، حيث كانت المدينة مغلقة تمامًا والطرق مسدودة بالمتاريس، وجميع المدارس والجامعات علقت الدراسة بها، والشوارع يملؤها الحطام والدخان الأسود المنبعث من الإطارات المحترقة، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وصور الشهداء، وتعالت الهتافات المنددة بالاحتلال وقمعه وبطشه. ثم تصاعدت الانتفاضة يومًا بعد يوم، حيث تصدى الشعب الفلسطينى بأكمله بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الإسرائيلية، ويوميًا سطرت الجماهير الفلسطينية آيات من المواجهة البطولية للمحتلين، وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى من أبناء فلسطين فى أضخم انتفاضة جماهيرية عارمة شهدتها الأراضى الفلسطينيةالمحتلة منذ سنوات طويلة، وانتهت فى الخامس من مايو 1994 ، وذلك مع دخول القوات الفلسطينية المحررة إلى أرض الوطن بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطينية الإسرائيلية فى أوسلو.