براتب 13 ألف ريال.. وزارة العمل تعلن عن وظائف في السعودية    الرئيس السيسي: تطوير المنظومة التعليمية والاهتمام بالمعلم أولوية للدولة المصرية    وكيل وزارة التربية والتعليم فى أسيوط يتابع سير العملية التعليمية بإدارة أبوتيج    بروتوكول تعاون بين جامعتي الأزهر وعين شمس لدعم أهداف التنمية المستدامة    وزارة التضامن تقرر إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    وزير التموين: استلام 2.5 مليون طن قمح محلي منذ بداية موسم التوريد    محافظ المنيا: رصد أية تداعيات محتملة للزلزال ورفع درجة الاستعداد بكافة الأجهزة التنفيذية    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تبحث مع محافظ قنا دعم جهود التنمية بالمحافظة    محافظ الدقهلية يضبط صاحب مخبز يبيع الخبز بالسوق السوداء: القرش اللى خدته هتدفعه عشرة    وزارة الخارجية تطالب المصريين المتواجدين في ليبيا بتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر    محمود عباس يرحب بتصريحات ولي العهد السعودي الداعية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية    الصين تعتزم تعديل الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية المستوردة    أول قرار من عماد النحاس بعد فوز الأهلي على سيراميكا    «مجهود النحاس».. شوبير يكشف موعد تولي ريفيرو قيادة الأهلي    جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة: صدامات حاسمة في الليجا    كرة اليد.. انطلاق بطولة أفريقيا للأندية أبطال الكؤوس اليوم في الأهلي    «سيدات سلة الأهلي» يواجه سبورتنج في نهائي دوري السوبر    جدول امتحانات الصف الخامس الابتدائي الفصل الدراسي الثاني 2025 بالبحر الأحمر    طعن «طالب» في مشاجرة بالأسلحة البيضاء أمام مدرسة بالمنيا    اتخاذ إجراءات قانونية تجاه 3 مجرمين حاولوا غسل 280 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    ضبط مخالفات تلاعب بأوزان الخبر في حملة مفاجئة بالمنوفية    سقوط 3 لصوص لسرقتهم الدراجات النارية وفيلا بمنطقتي الشروق والتجمع الخامس    الأرصاد تكشف حقيقة العاصفة شيماء وموعد ارتفاع درجات الحرارة    وزير الثقافة: يجب الحفاظ على الهوية المصرية وصونها للأجيال القادمة    وزير الثقافة يستعرض موازنة الوزارة أمام لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب    ماذا يقال من دعاء عند حدوث الزلازل؟    وزير الصحة يشهد توقيع بروتوكول بين المجلس الصحي المصري والمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الإكلينيكية    لليوم الثالث على التوالي.. محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى التأمين الصحي في جديلة    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية تطلق خدمة «واتساب» لتيسير التواصل مع الشركات والمصانع    الصحة العالمية توصي بتدابير للوقاية من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية بعد ظهور 9 حالات جديدة    وزير العمل يستعرض جهود توفير بيئة عمل لائقة لصالح «طرفي الإنتاج»    سر غضب وسام أبوعلي في مباراة سيراميكا.. وتصرف عماد النحاس (تفاصيل)    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للخليج.. اجتماعات أمنية واقتصادية في الرياض والدوحة    هآرتس: إسرائيل ليست متأكدة حتى الآن من نجاح اغتيال محمد السنوار    سعد زغلول وفارسة الصحافة المصرية!    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 14 مايو 2025    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 بعد آخر تراجع    ياسر ريان: حزين على الزمالك ويجب إلتفاف أبناء النادي حول الرمادي    نظر محاكمة 64 متهمًا بقضية "خلية القاهرة الجديدة" اليوم    القبض على الفنان محمد غنيم لسجنه 3 سنوات    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    فتحي عبد الوهاب: عادل إمام أكثر فنان ملتزم تعاملت معه.. ونجاحي جاء في أوانه    فتحي عبد الوهاب: عبلة كامل وحشتنا جدًا.. ولا أندم على أي عمل قدمته    رسالة مؤثرة يستعرضها أسامة كمال تكشف مخاوف أصحاب المعاشات من الإيجار القديم    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    «السرطان جهز وصيته» و«الأسد لعب دور القائد».. أبراج ماتت رعبًا من الزلزال وأخرى لا تبالي    بقوة 4.5 ريختر.. هزة أرضية تضرب محافظة القليوبية دون خسائر في الأرواح    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    معهد الفلك: زلزال كريت كان باتجاه شمال رشيد.. ولا يرد خسائر في الممتلكات أو الأرواح    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    سامبدوريا الإيطالي إلى الدرجة الثالثة لأول مرة في التاريخ    بحضور يسرا وأمينة خليل.. 20 صورة لنجمات الفن في مهرجان كان السينمائي    رئيس جامعة المنيا يستقبل أعضاء لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    التوتر يتصاعد بينك وبين زملائك.. حظ برج الدلو اليوم 14 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حق الاختلاف
نشر في المصريون يوم 07 - 12 - 2012


السفينة حين تغرق لا تستثنى أحداً..
لعل من إشكاليات العالم الإسلامى أن يدركه هذا العصر الذى تجتهد فيه الأمم والدول الكبرى وتتواضع على عدد من أشكال الاتفاق والتجمع فى تحالفات سياسية وتكتلات اقتصادية كبرى أنتجت شركات تعبر القارات، ومنظمات تخترق الجغرافيا والحدود، والعالم الإسلامى يعيش أسوأ حالاته، وأشدها انقساماً وتفرقاً، وكلما رزقت أمم الغرب سبباً للاتفاق والائتلاف رزقت أمة الإسلام أسباباً للتفرق والاختلاف، وكلما استردت الأمم سباياها عرضت أمة الإسلام سباياها للغاصبين!:
قد استرد السبايا كل منهزم لم تبق فى أسرها إلا سبايانا
وما رأيت سياط الظلم دامية إلا رأيت عليها لحم أسرانا
ولم يبق فى "العالم الإسلامي" من يلم هذا الشتات والتفرق عبر الآليات والأهداف والبرامج إلا قليل ممن رحم الله، وليست المشكلة فى وجود الاختلاف، بل فى توجيه ذلك الاختلاف وتفعيله، وجعله عنصراً من عناصر التفرق، بدل أن نجعله سبباً من أسباب التعددية الصحية الطبيعية، فكل مجموعة مستمسكة بنظرياتها وآرائها واجتهاداتها، ومن حق الجميع أن يكون له كل هذا، وأن يتحدث ويعبر عنه، إنما ليس من حق أحد أن يحاكم البقية إلى مقرراته وآرائه الخاصة وبرامجه.
وعندما تنظر إلى الأمم الغربية كأمريكا وفرنسا تجد داخل تلك الحدود خلافات هائلة وفروقات فلكية، ولكنها استطاعت أن توظف تلك الخلافات لإنشاء تعددية صحية تساعد على وحدتها وقوتها، حتى فى إسرائيل ذلك العدو المتاخم القريب، فيه: اليمين المعتدل، واليمين المتطرف، واليسار، والقصور والحمائم والأحزاب المختلفة التى تجتمع كلها فى "الكنيست" وتوظف تلك الخلافات لمصلحة حاضر هذا الكيان الصهيونى ومستقبله، بينما فى العالم الإسلامى اختلاف مَرَضى فى السياسة والعلم وكل شيء، حتى عند رجل الشارع العادى فلن تجده أحسن حالاً!
إن أصل الاختلاف الفكرى والعلمى والسياسى طبيعى بل ضروري، وحق مشروع ما دام للإنسان عقل وتفكير، وما دام يقدر على التعبير عن رأيه وفكره، فالبشر فيهم من الاختلاف والتنوع والتعدد ما جعله الله قانوناً للحياة وعلامة على قيامها ووجودها، فلقد خلق الله من كل شيء مقابلاً له يختلف عنه ليكمل به نقصه ويعينه على نوائب الحق والدهر.
يقول سبحانه وتعالى: "ومن كل شيء خلقنا زوجين"، ولهذا كان سر الله سبحانه وتعالى فى الحياة والخلق وجود هذا التنوع الذى جعله فى الحياة قدراً، وكتبه فى الدين شرعاً، فالناس يختلفون، "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"، وحتى اختلاف الطباع والألسن والألوان، "واختلاف ألسنتكم وألوانكم"، والحياة بدون اختلاف رتيبة مملة, وتخيل أن كل شيء فى الحياة مثل بعضه: أشكال الناس وقاماتهم، كلماتهم، لباسهم، حركاتهم وتصرفاتهم، الطرق والبيوت والأشجار والأحجار، كلها لو كانت نمطاً واحداً لكانت مكرورة مكروهة: "قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون‏.‏ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون‏.‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون"‏.‏[‏القصص‏:71‏73].
فاختلاف الليل والنهار وتصريف الرياح وتداول الأيام من آيات الله العظيمة على بديع صنعه وشاهدة على قانون الحياة وسنتها الجارية، أما البشر فإن اختلافهم طبيعة، وفوق ذلك كله فى الفقه الإسلامى والفكر حق مشروع مصون، ورأى محترم, لدعم التغيير الإيجابى والتغيير الإصلاحى نحو الأفضل, ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: (إنى والله إن شاء الله لا أحلف على شيء فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير) رواه البخارى ومسلم، وجاء فى منثور الحكم: الذين لا يغيرون آراءهم اثنان: الميت والجاهل. والعقاد يقول:
ففى كل يوم يولد المرء ذو الحجا وفى كل يوم ذو الجهالة يلحد
ولقد وجد الاختلاف حتى عند الملائكة - فى قصة قاتل المائة نفس الذى اختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب- كما فى الصحيحين، والأنبياء عليهم السلام اختلفوا، فاختلف موسى مع هارون، وموسى والخضر، وموسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم، وقال لوط عن قومه: "أو آوى إلى ركن شديد"، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: (رحم الله لوطاً لقد كان يأوى إلى ركن شديد)، واختلف أبو بكر وعمر أمام النبى صلى الله عليه وسلم، واختلف الصحابة فى تأويل أمر النبى صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة) أخرجه البخارى ومسلم.
فالاختلاف الفكرى والمذهبى والفقهى تفرزه اختلاف النفسيات والطبائع، واختلاف الأفهام، واختلاف العقول، واختلاف الأهواء والمشارب، واختلاف الثقافات والخلفيات، واختلاف البيئات واختلاف العصور والزمان والمكان، وكل ذلك طبيعى إيجابى يوسع أفق الفكر ويفتح المجال الرحب الخصيب للحوار والجدال الأخلاقى العال، ولذلك لما جاء رجل إلى الإمام أحمد بكتاب له يريد أن يسميه كتاب الاختلاف قال له الإمام أحمد: سمِّه كتاب: "السعة"؛ لأن هذا الخلاف يوسع مجال الترجيح، ويوسع على الناس وينقذهم من مثالب الرأى الواحد.
إن هذا الاختلاف ينبغى أن يكون أخلاقياً ما دام طبيعياً، وأن نتعامل معه بعقلانية وذكاء لتوظيفه واستغلاله فى التوسعة على الناس، لا للتضييق عليهم وحصارهم، فأخلاقيات الاختلاف تفرض نقداً عادلاً يتجه للأفكار لا للأشخاص، وتحريراً موضوعياً لمحل النزاع - كما يسميه الفقهاء - وتحريراً لأسبابه، وتجنب لغة الحسم والقطعية وابتعاداً عن الاتهام والخصام، وخضوعاً للدليل وركوناً للمحكمات الشرعية والثوابت الدينية القائمة.
إن علينا القبول بهذا التنوع والتعامل معه، بل والتفاعل معه فى التعاون على القدر المشترك والمتفق عليه وتفعيل دائرته، ووضع الخلاف فى حجمه الطبيعي، وعدم الخوف منه أو محاربته، وحسن الاستماع وحسن الفهم للآخرين واستخدام الحجة والإقناع لا السباب والصخب والضجيج، وبعد كل ذلك محاولة التعايش والاتفاق على مصالح الدنيا، حتى مع من نختلف معهم بشكل جوهري، فلقد قال النبى صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: (لو دعيت إليه اليوم لأجبت).
إننا حين نفسح لكل الأصوات أن تتحدث ولكل الأنواع أن تتنفس فسوف تطرد العملة الصحيحة كل عملة مزيفة، وسوف تبقى أجواء الاقتراب والألفة ترسل ظلالها للجميع، وسوف يكون ذلك خيراً لنا جميعاً، فإننا حين نخنق أصوات الآخرين فسوف نختنق بهم, والسفينة حين تغرق لا تستثنى أحداً، فعلى العقلاء وأصحاب الرأى أن يتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.