قامت العلاقة بين أفراد المجتمع الإسلامي خلال قيام الدولة العثمانية على الرابطة الدينية، ولمّا سقطت الخلافة وجاء الفكر القومي العربي وأحلّ الايديولوجيا القومية مكان الايديولوجيا الدينية، أقام الروابط بين أفراد المجتمع حينذاك على أساسين جديدين هما الرابطان: القومي والوطني، فأصبحت القومية هي التي تربط بين أفراد الأمّة، والوطن يربط بين أفراد البلد الواحد. وقام العراق الحديث على ذانك الأساسين: القومية والوطنية، وقد قعّد ساطع الحصري لتانك الرابطتين فقال عن القومية: "هي ارتباط الفرد بجماعة من البشر تُعرف باسم الأمّة. وهي تنشأ عن حبّ الأهل. وهذا المفهوم له علاقة بمفهوم آخر هو مفهوم الوطن، فإذا كانت القومية تعني حب الأمّة وهي جماعة من البشر فإنّ "الوطنية" تعني حبّ الوطن وهو قطعة من الأرض". (آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ساطع الحصري، ص7). ثم جاء البعث العراقي ذو التوجّه القومي العربي أيضاً، واستمرّ في اعتماد تلك النظريات القومية، لكن ماذا نجد الآن؟ نجد أنّ العراق يتفكّك و من الجلي انه يسير في اتجاه التشرذم و الانقسام, إذ أقام الأكراد حكما ذاتيا منفصلا منذ عام 1990 في الشمال و الأرجح أن يقيم الشيعة فيدرالية في الجنوب, و سيبقى السنة في الوسط, فأين نجد جذور هذا التفكك؟ نجد جانبا من جذور هذا التفكك تكمن في الطرح الوطني والقومي العربي الذي قام بدور الهدم للرابطة الدينية السابقة و لم يستطع بناء رابطة جديدة, فالقومية والوطنية اللتان دعا إليهما ساطع الحصري وحزب البعث لم تفرزا وحدة وطنية وقومية بل توجهات عنصرية على رغم كل دعاوى ؟إنسانية القومية ومضمونها الثقافي، واتضح ذلك عندما جرّد حزب البعث حملات «الأنفال» لإبادة الأكراد في الشمال، كما أفرزت توجهات استئصالية وقمعية للدين من دون الاكتراث بعمق رسوخ الدين وتغلغله في كل فروع حياة الشعب العربي في العراق بسبب العلمانية التي لم تقف عند حدود الفصل بين الدين والدولة، بل حقّرت كل ما هو ديني وسخّفته و اعتبرته السبب الرئيسي في تخلف الأمة و انحطاطها، مما جعلت الفرد يلجأ إلى طائفته لحماية ذاته من مثل هذا التعدي الشرس، وأفرزت الاستبداد الذي مثله صدام حسين أبشع تمثيل بسبب النخبوية التي مثّلتها القيادات القومية طوال تاريخ العراق الحديث.