قضت مظاهرة التحالف الوطني علي أي أمل في إحداث تحالف ولو في حده الأدني بين جماعة الإخوان المسلمين والقوي الأخري، فقد ثبت أن مقولتهم المأثورة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ، والتي يستخدمها الإخوان إعلاميا للتأكيد علي انهم يقبلون بالآخر، هي في الواقع تنظم العلاقة بين أعضاء الجماعة بعضهم البعض، ولا شأن لها بعلاقة الإخوان بالآخر، سواء كان فردا او تنظيما!. كنا قد سعدنا بتولي محمد مهدي عاكف منصب المرشد العام، وهو رجل شجاع، وظننا ان شجاعته ستحول دون أسلوب اللف والدوران والمناورة الذي يحكم أسلوب الجماعة في التعامل مع السلطة، والرجل فضلا عن ذلك فهو منفتح علي الآخر، وهو أقرب من جيل الشباب عن جيل الشيوخ المؤسس. كما سعدنا بتصعيد ثلاثة لموقع الصدارة هم محمد حبيب، وعصام العريان، وعبد المنعم أبوالفتوح، وهم من جيل شاءت ظروفه ان ينشأ وسط قوي وتيارات أخري، وان يحتك بها وتحتك به، فأصبح الآخر بالنسبة له لا يعني الكافر، الذي يجوز ضرب عنقه بالدرة، او الشيوعي الملحد، او الناصري الذي سامهم في السجون سوء العذاب، والذي يستحق ان تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف!. لقد دعا الإخوان إلي تشكيل جماعة تحمل اسم التحالف الوطني ، وأسعدني ان يكون هذا هو الاسم الذي اختارته لحزب تقدمت به الي لجنة شؤون الأحزاب المصرية ورفضته، فطعنت في قرار الرفض أمام المحكمة الإدارية العليا دائرة الأحزاب وهي دائرة ملاكي، ولا تزال تنظر في أمره، وإذا كنت قد هدفت بهذا الاسم انه يمثل تحالفا بين أعضائه في الحد الأدني وهي قضية الحريات، فقد رأي الإخوان ان يمثل تحالفهم الوطني تحالفا بين القوي المختلفة علي مجموعة من الأمور تمثل قضية الحريات ذروة سنامها، لاسيما وانه استقر في وجدان الجميع - وبحكم التجربة - أن القمع السلطوي مثل الاسبراي، تطلقه في اتجاه، فينتشر في كل اتجاه، وقد يسعدك ان يصل الي قلب خصمك، لكنه بالضرورة سيصل إليك!. تاريخيا فإن التحالف مع الإخوان لم يجن ثماره إلا الإخوان أنفسهم، وعندما يتعرض الطرف الآخر لمحنة فإنه ينظر حوله فلا يجد منهم أحدا، ولحزب العمل المجمد تجربة مريرة في هذا الشأن، فقد قام المرحوم عادل حسين بتمكينهم منه، فلم يشأ أن يجعله تحالفا، فقد كان ذوبانا، ومكنهم من الاستيلاء علي الحزب وجريدته الشعب ، وعندما كشرت السلطة عن أنيابها في بداية التسعينيات، وقيل انها عازمة علي تجميد الحزب، ودعا رحمه الله الي مؤتمر للتصدي للسلطة ومخططها، نظر في الحضور فلم يجد فيه اخوانيا واحدا، حتي من قام بتصعيده الي منصب مدير التحرير، ومثل تصعيده ثورة عليه من أبناء الجريدة، فهم - أي الإخوان - استفادوا من التجربة، وعندما جاء وقت دفع الثمن، تنادوا يا موت اذهب الي صاحبك !. وقد تراجعت الحكومة عن سياسة التجميد، لتنتهي صفحة الذوبان بين الجماعة والحزب، وتبدأ صفحة جديدة هي التي تم وضع الأمور فيها في نصابها، وهي ان ما بينهما هو تحالف وليس اندماجا، وقد استفاد الإخوان من هذه التجربة أيضا، وعندما قامت الحكومة بتجميد الحزب في سنة 2000 نظر قيادات حزب العمل حولهم فلم يجدوا من الإخوان، إنسا ولا جانا، فقد قفزوا من السفينة عندما وجدوا أنها غارقة لا محالة، ولم يتضامنوا مع الحزب مجرد التضامن الطبيعي، الذي يمكن ان يقوم به أي تيار أو جماعة، عندما يجد الحكومة قد كشرت عن أنيابها تريد ان تفترس الآخر، علما بأن المبرر الذي تم استخدامه وسيلة للتجميد هو التحالف مع جماعة منحلة، بالمخالفة للقانون!. لن أغوص بكم في التاريخ القديم، فالتاريخ ذو شجون، وملف الجماعة في التحالفات مع القوي الآخر متخم بكل ما يدخل في باب (الاستندال)، ولا يخرج منه بأي حال، ولكن ما دفعني للسعادة بفكرة التحالف الوطني، انني ظننت ان القيادة الجديدة، غير القيادات التاريخية التي انقرضت، وربما فاتني ان العرق دساس!. التحالف الوطني يضم مجموعة من القوي، صحيح ان الغلبة العددية فيه للإخوان، لكن هذا لا يغير من طبيعته، فحركة كفاية تضم العديد من القوي السياسية، من ليبراليين ويساريين وعابري سبيل، لكن نجح الناصريون في السيطرة عليها، علي الرغم من أنها في الأساس فكرة أبو العلا ماضي الاخواني السابق، ووكيل مؤسسي حزب الوسط. وقد رأيت في سيطرة الإخوان علي التحالف الوطني سيعطيه زخما، فالإخوان يظلون هم التيار الأول القادر علي حشد الجماهير في مصر، والتحالف وان كان يمثل ردا عمليا علي الاتهام الموجه لهم بأنهم ينفون الآخر، فإن جميع عناصر التحالف سيستفيدون منه، والمستفيد الأول هي القضايا التي تمثل مشتركا بين جميع القوي الوطنية، وعلي الرغم من أنني لست عضوا في حركة كفاية رغم مشاركتي في كثير من فعالياتها، لأنني بحكم الطبيعة لا أصلح للعمل الجماعي، فقد طلبت من أحد شباب الإخوان ان يدرج اسمي ضمن المؤسسين في التحالف ، لأنه أحدث توترا في رأس السلطة ردت عليه بالإيعاز الي بعض عناصرها بإنشاء تجمع معارض موازٍ، فضلا عن أنني رأيت ان وجود اسمي في تجمع يسيطر عليه الإخوان، وانا من خصومهم، له دلالة مهمة!. فلما كان يوم الأربعاء 20 من يوليو اكتشفت، وربما اكتشف كثيرون، اننا أخذنا مقلبا معتبرا، وان الإخوان المسلمين من الممكن ان يتحالفوا مع الآخر، ليركبوا هذا الآخر، ويتعاملون معه علي انه مجرد مطية، لتوصيلهم الي أهدافهم، والتخديم عليهم، وتبييض وجوههم، ولكنهم ليسوا علي استعداد لأن يستفيد الآخر ولو شربة ماء، فالقوي الأخري المتحالفة هي من أجل الديكور ليس إلا!. لقد كان هذا اليوم هو الذي اختاروه لتنظيم مظاهرة للتحالف الوطني، وقد قالوا إنها ستكون امام قصر عابدين، ثم عادوا واختاروا موقعا آخر، أمام نقابة المحامين، وقيل ان هذا تم بناء علي طلب أمني، لم يملك الإخوان المسلمين إلا ان يقولوا له: سمعا وطاعة، وهو أمر نستوعبه، فالإخوان ليسوا هم حركة كفاية التي نظمت تظاهرة قبل أيام أمام القصر، بما يحمله من دلالة، وكان الإخوان قد أعلنوا أنهم سيشاركون فيها من خلال التحالف إلا أنهم لم يشاركوا. في الساعة المحددة للمظاهرة احتشد قرابة الألفين من عناصر الجماعة وهتفوا بهتافات الإخوان المعروفة، وعن نفسي لا أجد في هذا مشكلة، فمن الطبيعي ان يكون الإخوان أوفياء لهتافاتهم المتوارثة، ومن المنطق ان يستعرضوا قوتهم أمام الناس وأمام الدولة. ثم رفعوا المصاحف، وعلي الرغم من ان هذا الأسلوب قد رأي فيه البعض انه تصرف لا يجوز، علي أساس ان هناك مسيحيين قد يشاركون في المظاهرة، وأنهم سوف ينصرفون عند رؤية هذا المشهد، إلا أن مثلي ضد تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، فمن الواضح أننا لم نشاهد أحدا من العناصر المسيحية المحتجة، ضد الحكومة، والمنسحبة بسبب رفع المصاحف، فالمسيحيون ولاسباب كثيرة قرارهم السياسي في يد الكنيسة، وهي تغضب وتثور وتقلب الدنيا، لأن مسيحية أعلنت إسلامها، وان جهاز الامن تقاعس عن تسليمها، ثم لا نسمع لها صوتا، في الهم المشترك وفي قضايا الوطن، بل ان الكنائس تعلن عن بيعتها للرئيس مبارك، ولمرشحي الحزب الحاكم في أي انتخابات نيابية! أتحدث عن القاعدة، وأؤمن ان لكل قاعدة استثناء يؤكدها ولا ينفيها، لكن هذا الاستثناء لم نجده في مظاهرة التحالف، وإذا كان الزحام لم يجعلنا نشاهده، فمن المؤكد ان من حضر منه استوعب الهتاف والتصرف، ولم يجد في رفع المصاحف ما يجرح مشاعره المسيحية الصافية، بالشكل الذي روج له البعض من ناصريين وغيرهم!. فبيت القصيد ان الإخوان في هذه المظاهرة بعد ان أثبتوا الوجود لم يذوبوا في الآخر، وتركوه يهتف بمفرده، ليدللوا علي قلته بين الحاضرين، فكان الآخر عندما يهتف يصمت الإخوان، واحيانا يغطون عليه بهتافاتهم!. كان الآخر يهتف ضد التوريث والتأبيد، فيلتزم الإخوان الصمت اعتراضا، وكان زعيمهم علي عبد الفتاح عندما يحدث هذا يركبه العصبي ويكلم نفسه، ويقول لم نتفق علي هذا، وفي ظني ان الاتفاق لم يكن ان تندمج القوي الأخري في الهتاف الأثير الله أكبر ولله الحمد، فضلا عن انه قد مضي زمن كانت الدعوة فيه للإصلاح والنبي وعلشان خاطر النبي، لأنه ثبت ان أولي الأمر منا ليسوا جادين في شيء من هذا، ولا يستطيعون ان يفعلوا شيئا، وليس من المنطق ان يكون الاتفاق علي مطالب أخري غير هذه، لأن حركة الشارع تجاوزت الميوعة واللف والدوران واللت والفت عند الحديث عن مطالب الأمة. من المثير للدهشة، ان الآخر عندما كان هتافه يمثل مطالب وطنية بعيدة عما يغضب الباب العالي من هتافات ضد التوريث والتأبيد، كان الإخوان أيضا يصمتون، فلم يشاركوهم في شيء من هذا، وقد أخبرنا أحد الأصدقاء الإخوان ان التعليمات كانت واضحة بأن الهتاف يكون وراء عناصر الجماعة، والتوقف كلية عندما يهتف الآخرون، حتي وان كانت هتافاتهم معتدلة مخافة ان يكون هذا كمينا لهم لجرهم الي هتافات أخري!. لقد دشنت هذه المظاهرات لهتاف جديد وهو: بالروح بالدم نفديك يا إسلام ، وهو هتاف مضحك حقا، فهو يوحي كما لو كان الإسلام مريضا في مستشفي القصر العيني، أو محبوسا في قسم الأزبكية، مع ان التحالف ليس بهدف الأخذ بيد الإسلام المريض أو المحبوس، فالخلاف بين السلطة والقوي الوطنية، وفي المقدمة منها الإخوان، ليس بسبب خروج الحكومة علي قيم الإسلام، وانما بسبب خروجها علي قيم الإنسانية، ولا نظن ان الجماعة المحظورة تعي مدلول الهتاف، فلا هي تريد ان تخوض حربا إسلامية مع النظام، ولا هي تبغي ان تتهمه بالخروج عليه، لكنه هتاف حماسي ترديده يمكن الحناجر القوية من تأخذ حظها من القوة، فتغطي علي هتافات الآخرين الذين طالبوا بالإفراج عن المعتقلين وعلي رأسهم الاخواني عصام العريان، فلم يشاركهم الإخوان الهتاف وإنما غلوشوا عليهم! بعد مرور ساعة علي بدء التظاهرة كانت عناصر القوي الأخري قد بدأت في التوافد بشكل مكنهم من تمثيل قوة بهتافاتهم، وهنا صدرت التعليمات للإخوان بالانصراف وقبل ساعة كاملة من الموعد المحدد لانتهاء المظاهرة، وكان عجبا أنهم انصرفوا في غمضة عين، فلم يكد علي عبد الفتاح يصدر تعليماته حتي شعرت كأن الأرض انشقت وابتلعتهم، ليتركوا حلفاءهم بمفردهم في الميدان!. ان الحقيقة التي ينبغي ألا تغيب عن الأذهان ان الإخوان يريدون القرب من السلطة وعندما تتجاهلهم يتحالفون مع الآخر، ليس لأن رحابة الصدر نزلت عليهم فجأة، ولكن لأنهم يستخدمونهم من باب توصيل الرسائل حتي تصفح السلطة وترضي!. نعيش ونأخذ غيرها! --- صحيفة الراية القطرية في 10 -8 -2005