في تقريرهما الجامع المنشور في جريدة (آفاق عربية 18/8) ، قدم صابر عيد وأحمد البهنساوي عرضا شاملا للفساد الذي استشرى في مصر خلال حكم نظام مبارك. وقد بدأ الصحفيان عرضهما بالإشارة إلى عبارة "الفساد للركب" الشهيرة التي علق بها الدكتور زكريا عزمي، على تقرير هيئة الرقابة الإدارية لعام 2003، والذي أكد أن حجم قضايا الفساد المالي والإداري لهذا العام بلغ 211 قضية في اليوم، أي 35 قضية في الساعة، أي قضية فساد كل دقيقتين، بالإضافة إلى 100مسئول بدرجة وكيل وزارة قاموا باستغلال نفوذهم، والحصول على ما يقرب من مليار جنيه كإتاوات من أصحاب المصالح. ثم يستطرد التقرير كالتالي : لو أسقطت هذه الأرقام على كل عام مر على نظام حكم الرئيس مبارك، لأصبحت قضايا الفساد أكثر من مليون و500 ألف قضية، وهو الأمر الذي جعل تقرير البنك الدولي لعام 1999 يضع مصر في المركز السادس على مستوي العالم من حيث انتشار الفساد. برغم أن الرئيس مبارك عندما وصل للسلطة أعلن رفع شعار "طهارة اليد" ، معلنًا أن الفساد كان عبارة عن ظاهرة ارتبطت بالانفتاح الاقتصادي في عهد السادات، وسيتم القضاء عليها، إلا أنه - ومنذ ذلك الحين - لم تنقطع قضايا الفساد، خاصة المرتبطة برجال الأعمال وكبار المسئولين في الدولة. أشهر قضايا الفساد في عصر مبارك هي، قضية عبد الحميد حسن محافظ الجيزة الأسبق ، وماهر الجندي محافظ الجيزة الأسبق أيضًا ، ومحمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون ، ويوسف عبد الرحمن مستشار وزير الزراعة ، بالإضافة إلي قضايا رجال الأعمال وأبرزها قضية نواب القروض الذين استولوا على6,1 مليار جنيه من البنوك وهربوا خارج البلاد. وقد بلغ إجمالي الأموال التي استولى عليها رجال الأعمال، والتي تم تهريبها إلى خارج البلاد في عهد مبارك 42 مليار جنيه ، حسب التقديرات الرسمية و60 مليار جنيه حسب التقديرات غير الرسمية، أي ما يوازي 9 مليارات و13 مليار دولار بما يعادل ثلث الدين الخارجي لمصر البالغ 31 مليار دولار، ناهيك عن حجم التهرب الضريبي، الذي بلغ 8,7 مليار جنيه بشهادة وزير المالية. وكشفت التقارير والدراسات الرسمية عن أن هذه الأموال ضاعت على البلاد بسبب السياسات الإدارية والمالية السيئة لكبار المسئولين، الذين قاموا بإقراض رجال الأعمال بدون ضمانات كافية ، حيث أكدت دراسة أجرتها الدكتورة سلوي العنتري مدير عام البحوث بالبنك الأهلي المصري أن حجم الديون المعدومة في مصر بلغ 5 مليارات جنيه وأن حجم القروض المتعثرة في عام 1999بلغ 9,21 مليار جنيه. والأكثر سوءًا من ذلك - طبقًا للدراسة ذاتها - أن الجهاز المصرفي قام بمنح العديد من القروض لعدد محدود من الأشخاص بدون ضمانات، وهو ما أدى لتعرض أموال البنوك لنزيف دائم حين توضح الأرقام أن 343 عميلاً قد حصلوا علي 42% من جملة التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع الخاص في نهاية مارس 2000 وأن أكبر 28 عميلاً قد حصلوا علي 7,26 مليارًا بما يمثل 13% من جملة القروض, وأن نصيب ثمانية عملاء فقط من تلك التسهيلات قد بلغ نحو 4,12 مليار جنيه، وهو الأمر الذي لم تشهده من قبل أية دولة على مستوي العالم. إذا كانت قضايا الفساد التي ارتبطت بكبار المسئولين ورجال الأعمال القريبين من السلطة والحزب الوطني قد فاحت رائحتها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، إلا أن الواقع يؤكد أنها بدأت بعد مرور عام واحد على توليه السلطة وتحديدًا في عام 1982، حيث قام رجل الأعمال توفيق عبد الحي بالاستيلاء على 35 مليون جنيه من أموال الدولة، وهرب بها خارج البلاد بعد أن اتُهم بترويج مواد غذائية فاسدة، ولم تفلح أجهزة الأمن في القبض عليه حتى الآن. وبعدها جاءت قضية هدى عبد المنعم، التي أطلقت عليها الصحف آنذاك "المرأة الفولاذية" حيث استغلت أزمة الإسكان في مصر، وقامت بالترويج لعدد من المشروعات الإسكانية، واقترضت بضمانها 55 مليون جنيه مصري وهربت إلي اليونان في عام 1987. واشتهرت هذه القضية بتواطؤ كبار المسئولين مع الهاربة، وتلاها هروب رجل الأعمال جورج إسحاق حكيم صاحب محلات إطارات وسيارات بعد الاستيلاء علي 60 مليون جنيه من البنوك في94. [email protected]