يؤكد تقرير صابر عيد وأحمد البهنساوي المنشور في جريدة (آفاق عربية 18/8) أن أشهر وأضخم قضية اختلاس مالي - ربما في تاريخ مصر هي تلك التي عُرفت بقضية نواب القروض التي انفجرت عام 1995 ولم يسدل الستار عنها حتى الآن، حيث تمكنت شبكة ضمت 32 متهمًا أغلبهم كانوا أعضاء في مجلس الشعب والحزب الحاكم (وضمت أيضًا الوزير الأسبق توفيق عبده إسماعيل، وأبناء وزراء ومحافظين سابقين) من الحصول علي مبلغ يقدر ب 6,1 مليار جنيه من خمسة بنوك ، حيث استغل المتهمون مناصبهم وحصانتهم في الحصول علي منح لعدد من رجال الأعمال تعدت المليار جنيه بضمانات وهمية، ووجهت النيابة وقتها تهمة الإضرار العمدي والتربح وتسهيل الاستيلاء علي المال العام ل 25 متهمًا منهم، وصدرت ضدهم أحكام في يونية 2000. وكان أبرز المحكوم عليهم هو ياسين عجلان وحكم عليه ب 15 عامًا بتهمة الاستيلاء علي 340 مليون جنيه ولكنه قبل صدور الحكم استطاع أن يهرب من القاهرة إلي سوريا، حيث قبضت عليه السلطات السورية واتهمته بالتجسس لصالح الكيان الصهيوني، فطلب العودة لمصر مرة أخري. ومن ضمن هؤلاء أيضًا النائب البرلماني السابق رامي لكح الهارب إلي فرنسا حاليًا، وهو مدين للبنوك المصرية بحوالي 5,1 مليار جنيه منها 400 مليون جنيه ديون مباشرة والباقي علي هيئة سندات.. والذي يطالب الحكومة بإسقاط نصف هذه الديون حتى يسدد النصف الآخر. ومصطفي البليدي الذي تبلغ مديونياته نحو 140 مليون جنيه. وعلية العيوطي المتهمة في نفس القضية بتحويل 100 مليون دولار إلي بنوك خارجية والهروب بعد ذلك، ناهيك عن رجل الأعمال عادل مبروك فهمي الهارب ب 375 مليون جنيه، ومحمود وهبة الهارب إلي أمريكا ومعه 300 مليون دولار، وغيرهم من رجال الأعمال الذين قاموا بالاستيلاء علي أموال البنوك والهروب بها بطريقتهم الخاصة ولم تتم محاسبتهم حتى الآن. وإذا ما تأملنا تلك القضايا لوجدنا أن هناك خيطًا رفيعًا يربط بينها، حيث إنها لم تخرج عن المسئولين الكبار وأصحاب السلطة والنفوذ القريبين من النظام، وظهر ذلك جليًا في واقعة استيلاء المستشار ماهر الجندي محافظ الجيزة الأسبق علي 650 مليون جنيه من رجال الأعمال في نوفمبر 1998 مقابل تسهيل بعض الخدمات لرجال الأعمال. أيضًا قضية اتهام محمد الوكيل الرئيس الأسبق لقطاع الأخبار بالتليفزيون المصري بتقاضي رشاوي مقابل تسهيل ظهور بعض الشخصيات في برنامج "صباح الخير يا مصر". ولعل أشهر قضايا الفساد المالي والإداري التي كُشف عنها مؤخرًا والتي تشابكت فيها السلطة والنفوذ والعلاقة بالحزب الوطني، هي قضية بنك مصر إكستريور التي اتهم فيها 18 متهمًا من رجال الأعمال وكبار المسئولين، على رأسهم عبد الله طايل، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك، والرئيس السابق للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب، وأحد قيادات الحزب الوطني بالاستيلاء علي 272 مليون جنيه من أموال البنك، حيث حكم عليه بالسجن عشر سنوات، وعلى تيسير الهواري - أحد رجال الأعمال- بالسجن 7 سنوات، ورجل الأعمال محمود علي بدير - نائب رئيس البنك - بالسجن 3 سنوات، ومحمد عبد الرازق -مدير عام البنك- بالسجن عامين، ناهيك عن القضايا الأخرى التي ترفض الأجهزة الرقابية الإفصاح عنها، والاكتفاء بإصدار تقارير عن أعدادها لا ترى النور في أغلب الأحيان. أهم ما يمكن أن نخرج به من هذا التقرير الهام هو أن الفساد في مصر درجتان ، أحدهما قابلة للكشف والعقاب ، والأخرى محصنة ضد الكشف والعقاب. هناك عاملان كافيان لتحصين فساد الدرجة الأولى في مصر: أن يكون الفاسد من مراكز القوى المؤبدة في السلطة والمقربة من الحكم ، وأن يكون ممن قدموا خدمات عظيمة لإسرائيل وأجندة حلفائها الأمريكيين ، وخاصة تلك المرتبطة بالتطبيع . وأظن أن خطأ فاسدي الدرجة الثانية الفادح هو أنهما أهملا هذين العاملين . [email protected]