مانشيت "المصريون" في عددها الصادر في 20 مايو الماضي ، أثار ردود أفعال غاضبة من السفارة الأمريكية من جهة ومن نواب مجلس الشعب والأوساط السياسية والثقافية والصحفية المصرية من جهة أخرى . طوال ليل أمس الأول وبعض الفضائيات المصرية ، تناقش ما نشرته "المصريون" ، وكأنه كان مفاجأة صدمت الجميع : الأمريكان والمصريين نخبا سياسية وصحفية ! والموضوع كان ملخصه : "أن السفير الأمريكي وصف الحكومة والمعارضة المصرية علي حد سواء بالانتهازية والنفاق، موضحا إن الحكومة تريد أن تأخذ المعونة من أمريكا ثم تنتقدها لدعمها للمطالبين بالإصلاح السياسي والحقوقي في مصر، بينما علي الجانب الآخر نري المعارضة تهاجم أمريكا بشدة بحجة دعمها للنظام المصري، وفي الوقت نفسه تستغيث بها كلما تعرضت لبطش النظام" الزميل الصحفي الأستاذ طارق قاسم الذي كتب الخبر ، قدمه لي قبل أن أجيزه للنشر بأسبوع تقريبا ، وطلبت منه أن يستوثق من تفاصيله من مصادره بشكل جيد ، خاصة وأن السفير الأمريكي قال هذا الكلام لإثنين أحدهما أستاذ جامعي وناشط حقوقي شهير والثاني زميل صحفي تربطني به علاقات ود واحترام وصداقة ، غير أني أؤكد أن الأخير لم يكن مصدرنا للخبر بالمرة ، ولم أعلم أنه كان حاضرا اللقاء الذي قال فيه السفير الأمريكي بالقاهرة هذا الكلام المثير للجدل ، إلا بعد نشر الخبر في "المصريون" وبعد الجدل الكبير الذي خلفه في الأيام الأخيرة ، إذ أرسل إلينا رسالة عتاب ودودة ، بسبب ما خلفه له الخبر من "متاعب" إذ شك من حضر لقاء السفير أنه مصدر الخبر ل"المصريون" . قدمت مقالي بهذا الاستهلال ، للتأكيد على صحة الخبر ، فالسفير الأمريكي بالقاهرة اتصل بجميع من حضر لقائه المثير وعاتبه على ما نشرناه من تفاصيل ، توقع الرجل أنها ستظل مختومة بخاتم "سري للغاية" . الخبر كان سبقا صحفيا كبيرا يضاف إلى رصيد "المصريون" المهني والحرفي العالي الذي انجزته وهي لم تتجاوز عامها الأول من عمرها الصحفي بعد ، غير أن ما أدهشني هو أن يطلب البعض "اعتذارا" من السفير الأمريكي لما اعتبره "إهانة" لمصر ، إذ إن مصر ليست هي النظام السياسي الذي يحكمنا ولا هي المعارضة الذي فصلها ذات النظام على مقاسه منذ ربع قرن مضى . وما الذي يغضب النظام من وصفه ب"الانتهازية" ؟! فهو فعلا نظام انتهازي ، ليس له أية مشروع إلا "الانتهازية الرخيصة" سواء في بناء علاقاته مع الداخل أو مع الخارج ، حتى لو استدعى الأمر التشهير بشعبه والإساءة إليه ، ووصفه بأنه قاصر وجاهل ولايستحق الحرية أو الديمقراطية ولا يصلحه إلا "حذاء" السلطة و"عصى" الشرطة . كيف نطالب الحكومة بالرد على "إهانات" السفير الأمريكي بالقاهرة ، وواشنطن كسرت عيون الكبير قبل الصغير فيها ، ولعل مانشيت "المصريون" يوم أمس كان بالغ الدلالة على سياسة "كسر العيون" الأمريكية في التعاطي مع حلفائها المصريين ، إذ كانت فاتورة المعونة والذي نقلناه عن "واشنطن ريبورت" القريب من دوائر أمنية أمريكية ، فضائحية بكل المقاييس . ولكن للحق نقول : إن المعارضة المصرية ، لم تستغيث يوما قط بالأمريكيين ، حتى أيمن نور الذي تتهمه الحكومة بأنه "رجل أمريكا" بالقاهرة ، كان يرفض أن ترتبط قضيته بلعبة المساومات الدولية مع مصر. المعارضة كانت فقط تستغل تخاذل العواصمالغربية في ادانة النظام القمعي المصري ، لفضح الإثنين معا ، ولبيان أنهما اتفقا على "مصر" وعلى "المصريين " لقاء مراعاة مصالحهما المشتركة . ولذا فإنه إذا كان ثمة مبرر حقيقي لاعتذار السفير الامريكي في القاهرة ، فأنه يكون ل"المعارضة" التي تعمد "ريتشارد توني" تلويثها وتصويرها بأنها تستنجد بواشنطن لحمايتها من بطش النظام .. هذه أكذوبة وادعاء حقير يقتضي حقا الاعتذار ولكن فقط .. للمعارضة . [email protected]