اللجنة التي عينها الرئيس محمد حسني مبارك للإشراف علي الانتخابات الرئاسية برئاسة المستشار ممدوح مرعي، وعضوية عدد من رجال القضاء والشخصيات العامة، من المفروض أن تقوم لاحقا بالمهمة التي نص عليها الدستور والقانون بالإدارة العادلة لأول انتخابات تنافسية في تاريخ مصر، ولكن أيضا أن تفعل ذلك بما يشعر كل الناس بأن قراراتها منزهة عن الهوي. فهل فعلت اللجنة ذلك؟ الإجابة علي هذا السؤال، للأسف الشديد هي لا، حيث لم تنجح اللجنة المصرية للإشراف علي الانتخابات الرئاسية في إعطاء معظم المصريين الإحساس بأنها حقيقة محايدة وعادلة ونزيهة. وضاعف من هذا الإحساس عند معظم المهتمين والمهمومين بالشأن العام أن القانون أعطي لهذه اللجنة سلطات واسعة، لا تحدها حدود، فقراراتها نهائية وباتة، ولا تخضع للمراقبة أو الاستئناف أو النقض. إنها سلطات شبه إلهية !. ولكن من حسن حظ مصر أنها تتمتع برقابة شعبية، بعضها منظم ممثلا في مؤسسات المجتمع المدني، ومعظمها عفوي وتلقائي ممثلا في نكاته وأمثاله الشعبية، صحيح أن هذه الرقابة الشعبية ليست مباشرة ولا يترتب عليها نتائج قانونية أو إدارية محددة، ولكنها تقوض الشرعية وتنزع الاحترام، وتدين من يتنكر للصالح العام أو من يمتهن ذكاء الناس إدانة أخلاقية ومعنوية قد تصبح إدانة أبدية، وعلينا أن نتذكر كيف تعامل المصريون مع تعسف الحاكم بأمر الله أو قراقوش. فماذا فعلت اللجنة المصرية للانتخابات الرئاسية أو رئيسها المستشار ممدوح مرعي، حتي يرشحها الشعب المصري للمنافسة مع الحاكم بأمر الله أو عز الدين قراقوش؟ في أي انتخابات هناك مراحل، لكل منها إجراءات محددة. أولي هذه المراحل، هو فتح باب الترشيح في تاريخ وموعد معين محدد، وبسبب ارتفاع نسبة الأمية جرت العادة التي ثبتها القانون، علي أن يختار كل مرشح صورة لتصبح رمزا له يمكن أن يختاره الناخب الذي لا يقرأ ولا يكتب، ولأن الصور والرموز اكتسبت قيمة اجتماعية أو دينية عالية مثل الهلال والقمر وسنابل القمح والشجرة، فهناك ميل بين المرشحين للتسابق علي صورة أو رمز معين ، يرتبط به في حملته الانتخابية. وقد حرص القانون علي تنظيم إختيار المرشحين للرموز المتاحة، علي أساس أولوية الترشح أي من يأتي، أولا، يختار رمزه الانتخابي أولاً، وهكذا حرص أحد المرشحين وهو الدكتور أيمن نور علي أن يكون أول المتقدمين بأوراقه للجنة الانتخابات الرئاسية، فذهب فجر أول يوم وعسكر أمام باب مقر اللجنة، ودعي عددا من وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية لكي يكونوا شهودا علي هذا السبق. وبالفعل أقر منهم من شهد هذه الواقعة بذلك وفي مقدمتهم مراسلة الأسوشيتدبرس ومندوبا رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية، ولم يأت مندوب حسني مبارك إلا بعد أيمن نور بساعتين. طلب أيمن نور الهلال كأول اختيار لرمز له في الحملة الانتخابية. وهذا من حقه كأول المتقدمين بشهادة جميع الحضور من وسائل الإعلام. ولكن المسؤولين في اللجنة برئاسة المستشار مرعي أخبروه أن هذا الرمز لمرشح الحزب الوطني وأن عليه - أي أيمن نور - أن يختار رمزا آخر. فأثبت أيمن نور واقعة رفض طلبه وأذعن لأمر اللجنة واختار رمز النخلة كاختيار ثاني احتياطي له وهو ما ينص عليه القانون وحينما أقفل باب الترشيح وأعلنت اللجنة القائمة النهائية للمرشحين ورموزهم الانتخابية (أي الاختيار الأول لكل مرشح حسب قرار اللجنة)، كان رمز حسني مبارك هو الهلال. وحينما سأل بعض الصحفيين عن الاختيار الثاني لمبارك لم يكن لدي رئيس اللجنة أو المتحدث باسمها المستشار اسامة عطاوية إجابة، لأنه لم تطلب اللجنة من حسني مبارك أو وكيله أن يملأ استمارة الاختيارات حسب الأفضلية فما يسري علي بقية المرشحين لا يسري علي حسني مبارك أي أن حسني مبارك استثناء!! وربما هذا هو ما قصد أيمن نور أن يوضحه لوسائل الإعلام العالمية وقد نجح أيمن نور أن يظهر الحياد المزيف للجنة الانتخابات الرئاسية بامتياز ورسب المستشار ممدوح مرعي في نفس الاختبار بنفس الامتياز إذ أن للرسوب أيضا درجات وانطبق علي الرجل ولجنته في أول أيام الافتتاح القول المأثور أول القصيدة كفر!. أما ثانية الأسافي، والتي أكدت الطبيعة القراقوشية للجنة، فهو تصريح رئيسها في المصري اليوم بتاريخ 16/8 /2005 أنه لن يسمح لا لمندوبي منظمات المجتمع المدني ولا لممثلي المرشحين بدخول لجان الاقتراع يوم الانتخابات واستنكرت 34 منظمة مدنية صدور هذا التصريح من رئيس اللجنة، وكتبت له في أعقاب النشر مباشرة، ولكنه رفض استلام رسائلها كما درج عليه في رسائل أخري تطلب منه التنسيق والمتابعة. ومن الواضح أن المستشار ممدوح مرعي قد تقمص دورا غير دور القاضي الجليل، الذي مارسه في الماضي فدور القاضي والقضاء ليس فقط في الحكم علي الناس بالعدل وإنما إعطاء كل الناس سواء المتخاصمين أو غيرهم الإحساس بالعدالة والإنصاف ولهذا حرص القضاء في كل أنحاء العالم علي علانية جلسات المحاكمات وأن تتسم جميع إجراءات التقاضي بالشفافية. ولهذه الأسباب نفسها يطالب شعبنا المصري وكل قواه المنظمة حزبية ونقابية ومدنية برقابة القضاة علي الانتخابات في كل مراحلها فشعبنا لم يعد يثق إلا في السلطة القضائية، بعد أن خاب أمله في السلطتين التنفيذية مبارك والتشريعية فتحي سرور/ كمال الشاذلي/ صفوت الشريف ، وحتي لا يظن القراء أو السيد المستشار رئيس اللجنة أننا نجني عليه، فليقرأ ما سجله نادي القضاة كمأخذ علي أداء اللجنة، وإدانة رئيس النادي المستشار زكريا عبدالعزيز، لتجاهل اللجنة استفسارات ومكاتبات النادي، ورغم ذلك استمر النادي في تقديم المقترحات الكفيلة بتمكين اللجنة من أداء المهام التي أوكلت إليها. وإبراء لذمة القضاة أمام الله والشعب، نشر المستشار زكريا عبدالعزيز نص المذكرة التي أرسلها إلي اللجنة، ونقلتها عنه صحيفة المصري اليوم، وعلق عليها في نفس العدد (17/ 8/ 2005) الكاتب مجدي مهنا وتضمنت المذكرة عشرة اقتراحات تبدو كلها معقولة ووجيهة وممكنة التنفيذ لو صدقت النوايا وجد العزم لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة. ولكن ها هو رئيس لجنة الانتخابات يتحدث كما لو كان جنرالا أو مرشالاً عسكريا يأمر وينهي ويسمع ولا يسمح، فنرجوا ألا يأتي وقت يتحسر فيه الناس علي وقت إشراف وزارة الداخلية علي الانتخابات. فرغم كل تعسف هذه الأخيرة كان يمكن مقاضاتها أمام المحاكم. أما لجنة ممدوح مرعي فقد أعطاها القانون سلطات واسعة، وحصّن قراراتها ضد الطعن والإستئناف والنقض فلا حول ولا قوة إلا بالله. ----------------------------------------------------------- صحيفة الراية القطرية في 29 -8 -2005