لقد عنى المشرع بتحديد من يقع عليه عبء الإثبات، مستهديًا فى ذلك بالمبدأ العام فى الشريعة الإسلامية، والذى يقضى بأن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، فنص فى المادة الأولى من قانون الإثبات على أنه "على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه"، ومؤدى ذلك أن المدعى هو الملزم بإقامة الدليل على ما يدعيه سواء كان مدعيًا أصلاً فى الدعوى، أم مدعيًا فيها.. (الطعون أرقام 1799، 2097، 2243 لسنة 62ق – 17/6/93). فالبينة على من يدعى خلاف الوضع الثابت أصلاً وفرضًا أو ظاهرًا.. (الطعنان رقما 252، 128 لسنة 34 ق - جلسة 24/2/67) ووفقًا لذلك، فإن حياد القاضى يمنعه من تكليف الخصم بإثبات دعواه ولا عليه إن هو تركه وشأنه فى هذا الصدد.. (التعليق على نصوص قانون الإثبات – د. أحمد أبو الوفا - الطبعة الثالثة ص26). ومن ثم فإن المحكمة غير ملزمة بتكليف الخصم بتقديم الدليل على دفاعه أو لفت نظر الدفاع إلى مقتضيات هذا الدفاع، وحسبها أن تقيم قضاءها وفقًا للمستندات والأدلة المطروحة عليها، إذ الأمر كله موكول إليها.. (الطعن رقم421 لسنة49 ق - جلسة 9/5/82). فما هو دور النيابة المدنية فى تطبيق هذه المادة وهى المنوط بها تهيئة الدعوى للفصل، هل تملك رفض الدعوى بحالتها لخلوها من المستندات؟؟؟ أرى أنها لا تملك ذلك إذا ما ضرب القانون أجلاً للخصوم تحضر فيه الدعوى.. وهنا من الممكن أن تتكدس الدعاوى أمام النيابة المدنية طالما كانت فى النطاق الزمنى لبقائها أمام النيابة المدنية.. كما أن الدعوى تمر بعد إيداع صحيفتها وتمام الإعلان بمرحلة تهيئتها للفصل من خلال دفاع ودفوع الخصوم. والتساؤل: هل تملك النيابة المدنية تقدير جدية الدفع والدفاع وسائر طلبات الخصوم؟؟ بالطبع لا تملك لأن فى ذلك مصادرة على رأى قاضى الموضوع، وإذا لم يكن هناك ما يمنع فماذا تبقى لقاضى الموضوع فى الدعوى؟؟.. فضلاً عن أنها إذا قدرت عدم جدية الدفع فلا يمكن بحال أن يمنع الخصوم من معاودة التمسك به أمام قاضى الموضوع. ماذا لو دفع أمام النيابة بدفع كالصورية مثلاً وبعد تحقيقه تم الدفع بالإنكار ثم التزوير.. هل تملك النيابة الرد على أى من الدفوع بالرفض؟؟.. والتساؤل فى هذه الحالة متى يتم الطعن على قرار النيابة؟؟ هل أثناء تداول الدعوى أمام النيابة المدنية - ولمن يقدم وما هى إجراءات نظر الطعن - أم يتم الطعن بعد إحالة الدعوى لنظرها أمام قاضى أول درجة أم يتم الطعن بعد صدور حكم أول درجة؟؟؟ إشكالية لن يكون لها حل إلا بتعطيل الفصل فى الدعوى إذ أنه لو تم الطعن حال نظرها أمام النيابة المدنية تعين وقف الإجراءات لحين الفصل فى الطعن، ولو تم أمام محكمة الموضوع فلها أن تغاير النيابة المدنية فى الرأى وهنا إما أن تعيد الأوراق للنيابة المدنية بما يعطل الدعوى أو أن تتصدى للدفع وعندها نتساءل عن جدوى النيابة المدنية. • كما أنه إذا ما نقلت صلاحيات قاضى الموضوع إلى النيابة المدنية فى هذا الشأن فإننا نكون قد صادرنا على رأى قاضى الموضوع وعقيدته. وإذا انتهينا إلى عدم نقل صلاحية تقدير جدية الدفاع والدفوع للنيابة المدنية وجب عليها الاستجابة لكل طلبات الخصوم من تحقيق وخبراء وقبول الدفوع بالجهالة والإنكار والصورية والتزوير وتحقيقها جميعًا مما يطيل أمد التقاضى بما لا طائل منه ويرهق محكمة الموضوع. لما كان النص فى المادة -30 – من قانون الإثبات على أنه (إذا أنكر من يشهد عليه المحرر خطه أو إمضاءه أو ختمه أو بصمة إصبعه أو أنكر ذلك خلفه أو نائبه وكان المحرر منتجًا فى النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لتكوين عقيدة المحكمة فى شأن صحة الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة إصبعه أمرت المحكمة بالتحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما).. فهل تملك النيابة المدنية أن تصادر على عقيدة محكمة الموضوع لتقدر ما إذا كان المحرر منتجًا فى الدعوى أم غير منتج وأن وقائعها ومستنداتها لا تكفى لتكوين عقيدتها والعكس؟؟.. ما قلناه سلفًا ينسحب على هذا الأمر فلكلا الفرضين مسالب تؤدى إلى تعطيل الدعوى. • كما أن النص فى المادة -26– من قانون الإثبات على أنه يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف أن تأذن فى إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده وذلك فى الأحوال، ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها فى المواد السابقة.. فهل تملك النيابة المدنية ذلك وتقبل إدخال الخصوم؟ بالطبع لا، فالأمر من صميم عقيدة قاضى الموضوع. ثم بعد ذلك ما هو موقف الدعوى الفرعية وإدخال وتدخل الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام النيابة المدنية.. هل تملك القبول أو الرفض شكلاً؟؟ وبفرض أحقيتها فلا يمنع ذلك قاضى الموضوع من مراقبتها والقضاء بقبول أو عدم قبول التدخل والإدخال والدعوى الفرعية مع ما يترتب على ذلك من إشكالية إذا ما خالفت المحكمة النيابة فى هذا الشأن سواء كانت النيابة قد رفضت وخالفتها المحكمة أو العكس، ففى الفرض الأول هل تعاد الأوراق للنيابة وتعطل الدعوى أم تباشرها المحكمة ويكون الخصوم قد حرموا من إبداء الدفوع أمام النيابة، وفى الفرض الثانى وهو قبول النيابة للإدخال أو التدخل أو الدعوى الفرعية ورفض المحكمة فما هو الأمر بشأن الدليل المستمد من الخصم المتدخل أو المدخل أو صاحب الدعوى الفرعية.. وما هو موقف الدعوى الفرعية وإدخال وتدخل الخصوم لأول مرة أمام محكمة الموضوع هل يستلزم إعادة الدعوى للنيابة المدنية لتحقيق دفوعهم أم لا يقبل ذلك شكلاً أمام محكمة الموضوع – وهو أمر لا يستقيم عقلاً إذ أن ما يقبل لدى النيابة المدنية أولى أن يقبل أمام القاضى الطبيعى- أم تنظر محكمة الموضوع فى الدفوع وتحققها بنفسها وهنا نتساءل عن جدوى النيابة المدنية – سيما أن هناك من الإجراءات التى تمت فى أثناء نظر الدعوى أمام النيابة المدنية فى غيبة الخصوم المدخلين والمتدخلين بما يوجب نظرها فى مواجهتهم قانونًا. ومن نافلة القول، ماذا لو عدل الخصوم طلباتهم هل تعاد الدعوى للنيابة المدنية؟؟ وأخيرًا فإن دفاع ودفوع القضايا المدنية والتجارية والإدخال والتدخل من الأمور التى يستحيل حصرها وتأقيتها وتستمر حقًا أصيلاً للخصوم يتعين على محكمة الموضوع تمحيصها والرد عليها حتى قفل باب المرافعة وإلا فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع وهنا نتساءل: هل تعاد الدعوى للنيابة المدنية عند كل دفع جديد يثار أمام محكمة الموضوع لأول مرة أم تتولى محكمة الموضوع تحقيق الدفوع الجديدة التى تثار أمامها للمرة الأولى؟؟؟ هذه التساؤلات أرى من خلالها أنه لا جدوى نهائيًا من إنشاء ما يسمى النيابة المدنية، ذلك أنها فضلاً عما سينتج عنها من مشكلات عملية قد تحدث نتيجة تحقق دليل لصالح أحد الخصوم بتدخل إيجابى من وكيل النيابة المدنية، وهو أمر محظور بالنظر إلى الدور السلبى للقاضى المدنى الذى يمنعه حياده من تكليف الخصم بإثبات دعواه ولا عليه إن هو تركه وشأنه فى هذا الصدد.. (التعليق على نصوص قانون الإثبات – د. أحمد أبو الوفا - الطبعة الثالثة ص26). فإنها ستؤدى بكل تأكيد إلى تمزيق أواصر النزاع بما لا يحقق أبدًا حسن سير العدالة وأخيرًا فإنها ستؤدى إلى تعطيل الفصل فى الدعوى وتزيد العبء على المتقاضين.. ومن ثم وجوب العدول عن هذه الفكرة. وفقنا الله وإياكم وهدانا إلى سواء السبيل والله من وراء القصد. المستشار/ أسامة عبد المعز رئيس نيابة النقض بالقاهرة