قد طالعتنا مسودة الدستور المصرى فى مادته الرقيمة 178 بالنص على أنه (تتولى النيابة المدنية تحضير الدعاوى المدنية والتجارية، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى).. ولما كانت فكرة النيابة المدنية قد أثارت العديد من التساؤلات حول ماهيتها وجدواها وتنازع أمرها من دافع عنها ومن اعترض عليها، الأمر الذى أثار فى نفسى العديد من التساؤلات حول آلية عمل النيابة المدنية فى تحضير الدعوى ومدى جدواها. *وبادئ ذى بدء أنوه إلى أن من دافع عن النيابة المدنية اعتنق فكرة قوامها العدالة الناجزة بتعجيل الفصل فى الدعاوى المدنية من خلال إنشاء هيئة تتولى تحضير الدعاوى المدنية والتجارية ثم توضع أوراقها بين يدى المحكمة ليمثل أمامها الخصوم وقد تهيأت الدعوى للفصل. وأول ما يثار من تساؤلات فى هذا الشأن هو التساؤل حول ما هى الإجراءات التى تتبع لتقصير أمد التقاضى؟؟، ذلك أن زمن الدعوى يبدأ من تاريخ إيداع صحيفتها وهنا لن نجد تقصيرًا فعليًا لأجل الدعوى وإنما فقط تقصير عرضها على القاضى الطبيعى باحتساب مدتها من تاريخ وصول الأوراق للمحكمة، وإغفال فترة تحضيرها بالنيابة المدنية.. أما إذا تم احتساب المدة من تاريخ التقدم للنيابة المدنية فلن تقل مدة التقاضى بحال. وقد يجاب عن هذا التساؤل بأن وكيل النيابة المدنية سيوفر من وقت قاضى الموضوع، فبدلاً من أن يتولى الأخير نظر الدعوى من بدايتها فسيرفع وكيل النيابة المدنية عن كاهله عبء إجراءات تحضيرها وأنه سيضرب أجلاً محددًا لتحضير الدعوى يلزم فيه الخصوم بتقديم أدلتهم مما يؤدى إلى تقصير فترة النزاع. ويرد على هذا القول بأن إجراءات تحضير الدعوى عدا الإعلانات تدخل فى تقدير قاضى الموضوع (سلطة القاضى فى تقدير جدية الدفع والطلب)، فهو الذى يقدر جدية ما يطلبه الخصوم لإثبات الدعوى طبقًا للقانون.. كما أنه لا يمكن عمل حصر الطلبات فى وقت زمنى بإلزام الخصوم بإبداء الدفوع والطلبات فى فترة زمنية محددة لما يترتب على ذلك من إخلال جسيم بحق الدفاع. *وقبل الخوض فى تفصيلات ذلك يتعين الوقوف على طبيعة عمل النيابة المدنية، هل هى جهة تحضير وتحقيق أم لها أن تتدخل فى تقدير أدلة الدعوى وموضوعها؟ قطعًا لن يحق للنيابة المدنية التدخل فى موضوع الدعوى وتقدير أدلتها إذ أن ذلك هو صميم عمل قاضى الموضوع. *تساؤل آخر:- إذا اتفقنا على وجوب مثول المدعى أمام النيابة المدنية وإلا فلا تقبل دعواه شكلاً، فهل ينسحب الأمر على المدعى عليه؟؟؟، أى هل يلزم حضور المدعى عليه أمام النيابة المدنية وإلا سقط حقه فى المثول أمام قاضى الموضوع؟؟ بالطبع لا، فحضور المدعى عليه أمام النيابة المدنية ومن بعد أمام قاضى الموضوع ليس وجوبيًا متى تم إعلانه إعلانًا صحيحًا، وله الحق فى المثول حتى يقفل باب المرافعة، فما هو الرأى إذا لم يمثل أمام النيابة المدنية دون عذر ثم عاد ومثل أمام القاضى فهل يقبل مثوله أم لا؟، وفى الحالة الأولى وهى الأصح ماذا لو أنه مثل أمام قاضيه لأول مرة وأبدى دفوعًا، هل يحققها القاضى أم يعيد الدعوى للنيابة المدنية؟؟ (نموذج لتعطيل الفصل فى الدعوى) *إن نظر الدعاوى المدنية والتجارية - أيًا ما كان القانون الذى يحكم موضوع النزاع - لا يتم إلا من خلال قانونين يرتبطان ببعضهما ارتباطًا لا يقبل التجزئة، هما قانونا المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية، والأخير لا ينفك أبدًا عن تقدير القاضى لأدلة الدعوى وعقيدته فيها. ولما كان تكييف الدفع من إطلاقات قاضى الموضوع ((المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن العبرة فى تكييف الدفع بحقيقة جوهره ومرماه لا بالتسمية التى تطلق عليه.. الطعن رقم 2140 لسنة 54 ق جلسة 30 / 07 / 1989)، فهل تملك النيابة المدنية تكييفه؟ وماذا لو خالفتها المحكمة فى تكييف الدفع؟، إذا سلمنا بحق النيابة المدنية فى تكييف الدفع فقطعًا لابد أن يكون ذلك تحت رقابة محكمة الموضوع التى لها أن تغاير التكييف، وهنا نقع فى إشكالية هل تعاد الدعوى للنيابة المدنية لتحقيق الدفع بالتكييف الجديد أم تتولى الأمر محكمة الموضوع، قطعًا ستتولاه محكمة الموضوع ويضحى ما قامت به النيابة المدنية غير منتج فى الدعوى. ولما كان النص فى المادة الأولى من قانون الإثبات على أنه (على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه)، وكان من المقرر قانونًا "أن الإثبات هو تكوين اقتناع القاضى بشأن وجود أو عدم وجود واقعة قانونية متعلقة بالدعوى"، ولذلك فإن لقواعد الإثبات أهمية خاصة إذ أن الحق وهو موضوع التقاضى يتجرد من كل قيمة، إذا لم يقم الدليل على الحادث الذى يستند إليه، فالدليل هو قيام حياته ومعقد النفع فيه، فالحق مجرد من دليله يصبح عند المنازعة فيه والعدم سواء (المذكرة الإيضاحية لقانون الإثبات)، ومن ثم فإنه إذا كان القضاء هو تطبيق القانون على وقائع معينة، فإن هذا التطبيق لكى يكون مؤديًا إلى إرادة القانون يجب أن ينصب على وقائع حقيقية، أى وقائع ثابتة ولهذا لا يكفى الخصم ادعاء واقعة ما بل يجب إثباته.. (الوسيط فى شرح القانون المدنى المصرى. د. عبد الرازق أحمد السنهورى - الجزء الثانى). وللحديث بقية بإذن الله تعالى. رئيس نيابة النقض بالقاهرة