طالعت ما نشرته الأسبوع والمصريون عن الفساد في مؤسسة الأهرام ،وهي أرقام مفزعة بكل المقاييس ، حيث تحولت الأهرام إلي تكية لها طابع عائلي ، فهناك عائلات منها عائلة إبراهيم نافع ، وعائلة حسن حمدي عضو مجلس إدارة الأهرام ، وعائلة هدي عوض الله مدير عام الشئون القانونية ، وعائلة مدحت منصور مدير عام وكالة الأهرام للإعلان ، وتحولت هذه العائلات إلي شبكات للفساد والمحسوبية تستمد شرعيتها من العلاقة بما أسميناه من قبل " الكامريللا " أو زعيم العصابة ، وتحدثت من قبل عن كتاب النظم السياسية المهم بعنوان " السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر " لجبريل ألموند ، وجي . بنجهام باول وهو مترجم إلي العربية وأحد المراجع المهمة في العلوم السياسية ، الكامريللا " فسرها مؤلف الكتاب " بالعصابة السياسية " ، ويمكن نحن أن نسميها " المافيا السياسية " ، حيث لا توجد قوانين تحكم أو تضبط عمل المؤسسات ، وإنما يحكمها طبيعة تكوين العصبة السياسية من ناحية ، وعلاقتها وامتدادتها الأفقية والرأسية في النظام السياسي لترتبط بزعيم عصابة أعلي . أي أن قوة العصابة السياسية ترجع لا رتباطها بقائد للعصابة تكون له علاقات قوية بزعيم العصابة الأعلي في السلم السياسي والبيروقراطي ، وربما تكون المؤسسات الصحفية أكثر الأشكال تعبيراً عن مفهوم العصابة السياسية أو المافيا المرتبطة بزعيم " كامريللا " ، شرعيته تأتي من زعيم العصابة الأعلي ، وهنا نجد النظام المصري يقوده الرئيس الذي هو " الكامريللا الرئيس " ، ثم تتفرع منه أعضاء النخب السياسية التي تحكم المجتمع وتحتكر موارد الدولة والمجتمع ، وهذه النخب هي التي تكون عصب سياسية فرعية تمتد في مجلس ا لوزراء ، وفي مجلس الشعب ، والشوري ، والوزارات المختلفة ، والصحف القومية هي تعبير عن الكامريللا الفرعية التي أخذت شرعيتها من تفويض الرئيس لها . إنها علاقة الراعي والرعية ، حيث يستفيد الراعي من الرعية وقت الحاجة إليهم كوقت الانتخابات الرئاسية التي نعيشها الآن فهم أي الرعية أو أعضاء العصابة السياسية هم الذين يقومون بالحشد والتأييد وكتابة اليافطات والقيام بعمليات ا لتزوير مقابل أن تترك لهم مجالات من الفساد يعيثوا فيها كما يريدون ، طالما أنهم سيردون مقابلها وقت الحاجة إليهم من قبل الزعيم . فكرة العائلة كقاعدة لشبكة العصابات السياسية أصبحت منتشرة وسائدة في كل مناشط الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية ، فالأهرام تحولت إلي منجم يدر الأموال علي شركة ابني " إبراهيم نافع " ، والعوائل الأربعة الأخري تحولت إلي شبكات عصابية تلتهم أموال مؤسسة قومية ، وشرعية النهب هنا جاءت من التغلغل الرأسي صعودا بتحالفات مع شبكات أخري قوية لها صلاتها السياسية بالرئيس الذي يقف وحده مشرفاً علي كل هذه الشبكات التي تبدأ من عنده ولا ندري أين تنتهي فهي تتغلغل إلي القاع حيث تجد الرعية تصل حتي إلي بعض أصحاب المواقع النافذين في الدرجات الدنيا . الكارثة أن هذا النوع لا يقبل بالتجديد السياسي من الخارج أو تجديد السياسات المتبعة من أسفل أي من الجماهير ، لأن القواعد والمصالح التي بنتها هذه الشبكات تصبح قوية إلي الحد الذي يهدد أي عملية إصلاح أو تجديد سياسي . إذا كان الفساد في مؤسسة واحدة هي الأهرام بهذا القدر المروع من المعلومات والأرقام ، فما بالكم بالمؤسسات السيادية الأخري التي لا نعلم عن ميزانيتها شئ . إننا نريد لمصر أن تبدأ عصراً جديدا من الشفافية ، نريد أن نعرف بصراحة وبدون لف أو دوران حجم ثروة الرئيس مبارك ، وكنا نظن أنه سيعلن ذلك علي الملأ في برنامجه الانتخابي لكنه لم يفعل ، ونحن نعلم أنه قدم إقرار ذمته المالية للجنة العليا للانتخابات ونريد للجنة أن تكشف ذلك علي الملأ . نريد عصراً جديدا نحاصر فيه مؤسسات الفساد التي استشرت وتضخمت وأصبحت " عصبة سياسية " أو مافيا " نافذة كالأخطبوط في كل مكان ، ولن يمكن هذا إلا إذا كانت هناك قدوة لا ترتفع عن المساءلة وتقبل بها ، والقدوة هنا هو الرئيس الذي أعطي الشرعية لكل الكامريللا " الفرعية أن تعيث فسادا كل في مجاله وفضائه . الديموقراطية بدون محاسبة أو شفافية أو معلومات تريح الرأي العام وتمنحه الثقة في الحياة وفي النظام السياسي هي ديكتاتورية تضع طاقية الإخفاء علي وجهها حتي يظن الناس أنها ديموقراطية . كفاية .. نريد نظاماً يعزز مؤسسات الرقابة ويجعل الشفافية والاستقامة والنزاهة عنوانه ، وحينها نقول نحن علي أول طريق الديموقراطية .