تحدثت فى المقال الماضى عن البلاء والابتلاء، وكلاهما كرب وهم، وكيف يستطيع الإنسان مواجهة البلاء ويصبر على الابتلاء، وهنا تتجلى درجة الإيمان وتختلف من شخص إلى شخص آخر، واليوم نتحدث عن الضرورات والأولويات التى ينبغى للحكومة أن تبدأ بها كى تهدئ من ثورة الشارع؛ لأنه لا يمكن أن يظل الناس هكذا ثائرين حانقين ولهم الحق فى كثير من الأحيان، هكذا طول الوقت بل يجب أن يهدأ الناس كى نستطيع أن نتبين من الذى يؤجج الثورة والغضب عند بعض الفئات وكثير منها ليس له الحق فى ذلك أو على الأقل فى هذا التوقيت، وأبرز مثال على ذلك إضراب الأطباء الذى لم يتضرر منه سوى الفقراء والمرضى، والأطباء أنفسهم الذين أدوا القسم من ناحية، ومن الناحية الأخرى أنه حتى فى حالات العصيان المدنى الفئة التى ليس لها حق الإضراب هم الأطباء أنفسهم، وبالتالى فكل من شارك فى هذا الإضراب قد حنث بالقسم العظيم الذى أقسمه عند بداية تأدية الخدمة، أقول ذلك وليس لدى ما يؤكده حتى لا يقال إننى افتئت على أحد، وحتى إن كان هذا الإضراب جائزًا قانونيًا فهو مرفوض أخلاقيًا، ولى سؤال إلى جميع من شارك فى هذا الإضراب وهو هل من يعمل منكم فى مستشفى خاص أو لديه عيادة خاصة أضرب عن العمل فيهما أيضًا؟.. أشك فى ذلك كثيرًا. نأتى إلى طريقة أداء الحكومة الحالية وترتيب الأعمال التى هى لابد أن تكون موجهة للصالح العام أو الفقراء والشباب فى المقام الأول، نجدها تسير عكس الاتجاه وكأن شيئًا لم يتغير فى هذا البلد، صحيح هناك بعض الأمور الجيدة حدثت لا نستطيع أن ننكرها مثل الآخرين، ولكنها قد لا تفى بالغرض كما يتصور البعض بعد كل هذا التوقيت، ومنها يجب أن تكون أولويات الحكومة هى ذات الأولويات التى حددها السيد رئيس الجمهورية فى برنامجه الانتخابى، وهى توفير الخبز وتحسين جودته، توفير المياه الصالحة للشرب، توفير السولار والبنزين وأنابيب البوتاجاز لكل المحتاجين وبالسعر الذى يستطيعونه، الاهتمام بالنظافة كل مسئول عن المنطقة التى يديرها من المحافظ إلى أصغر مسئول، الرقابة الصارمة على الأسواق وجودة الغذاء والدواء الذى يقدم للناس، طبعًا بجانب كل ذلك الاهتمام بتحسين الاقتصاد والزراعة والاستثمار وحل مشكلة الإسكان للشباب، والتوسع فى بناء مدن بديلة بها خدمات من مدارس ومستشفيات وطرق ووسائل مواصلات جيدة لربطها بمكان عمل ساكنيها، إحلال المدن والعشوائيات المنتشرة فى المدن الكبرى وتحويلها إلى أماكن ترفيهية وخدمية وتعويض السكان بمساكن بديلة فى المدن الجديدة، وهذه تجربة نجحت فيها المملكة المغربية إلى حد مذهل خلال فترة قصيرة جدًَا، حتى أنه فى العام القادم سيتم القضاء نهائيًا على العشوائيات فى المملكة المغربية. الوقف الفورى للبناء فى المدن الكبرى حتى ولو على أرض فضاء، لأن جميع مدن الجمهورية تحولت إلى جراجات ضخمة، من ضمن اهتمامات الحكومة أيضًا الرقابة الجيدة على الأسعار والرقابة على الجودة فلا ينتج شىء فى مصر للمستهلك المحلى مطابق لأى معايير أو مواصفات لا محلية ولا دولية، واسألوا فى ذلك موظفى الصحة وموظفى مصلحة الكيمياء، وهناك الكثير من الأولويات التى يمكن إنجازها بسرعة وتساعد فى التنمية وكثير من المتطوعين والشباب يريد أن يقدم كل ما لديه، وأنا هنا أتساءل عن الأموال التى جمعها كل من الفنان محمد صبحى والدكتور أحمد زويل والشيخ محمد حسان، والتى إن صحت قد تصل إلى أكثر من 3 مليارات جنيه، والأهم من كل ذلك لماذا التدليل والطبطبة والإبقاء على الثروات التى نهبها أهل طره؟، لماذا لا تصادرها الدولة وتبيعها لمستثمرين مصريين جادين وتستفيد منها الدولة فى مشروعاتها بدلاً من ذُل الاقتراض؟، لماذا لم تتخذ الدولة خطوة جادة فى استعادة الثروات المهربة إلى الخارج؟ أما أن تكون أولويات الحكومة هى استفزاز المواطنين والحديث عن تطبيق قانون الضرائب العقارية بما له من مساوئ، وقانون الإيجارات القديم، وإلغاء الدعم بدون مراعاة الفقراء فهذا الغباء بعينه والعمل ضد برنامج الرئيس نفسه.. بل أشعر أن هناك من يعمل ضد الرئيس فى هذه الحكومة، كذلك قرار إغلاق المحال التجارية فى العاشرة مساء هذا القرار مطبق بالفعل على جميع المحال التجارية، فلا يوجد محل تجارى يفتح بعد العاشرة بل من التاسعة، والكل يبدأ فى الإغلاق ولكن المشكلة فى القهاوى ومراكز الإنترنت والمطاعم التى حولت حياة الشباب إلى كابوس وقلبت ليلهم نهارًا ونهارهم ليلاً، أما عن القرار فهو جيد ومطبق فى جميع دول العالم ولكنه فى هذا التوقيت سيضعف بشكل كبير موقف الرئيس ويضعف موقف الحرية والعدالة فى انتخابات مجلس الشعب القادمة، وذلك بسبب استغلال البعض لآلة الإعلام الجبارة والبكائيات الهوائية، وتصويرهم على أنهم يعملون ضد مصلحة الفقراء ومع الرأسمالية وصندوق النقد، ولابد عند تطبيق مثل هذا القانون دراسة تأثيره على المجتمع، مَن المستفيد، ومَن المتضرر، وإن كان هذا القانون يجب أن يطبق على المقاهى والمطاعم وكافيهات النت فقط فلا يصح لهذه المحال أن تفتح بعد الثانية عشرة ليلاً، أما أن يقال أن تطبيقه سيزيد الزحام فى الشوارع نهارًا، وسيقطع أرزاق عمالة كثيرة تعمل ليلاً فقط أو لتحسين الدخول المتدنية، فهذا حق يراد به باطل، ويجب على الحكومة دراسة هذه الثغرات وعلاجها قبل تطبيق مثل هذا القانون أو غيره من القوانين المتعلقة بمصلحة المواطنين وتعويض المتضررين من آثار تطبيقه. من ضمن ما انتظر المواطن تطبيقه ولم يتم حتى الآن، هو قانون الدخل، لماذا لم يطبق الحد الأدنى والحد الأقصى للدخل؟، كذلك قانون الضرائب التصاعدية فمن غير المعقول أن ذوا الدخل السنوى المحدود يدفعون نفس قيمة الضريبة التى يدفعها أصحاب الملايين والمليارات، وأين العدالة الاجتماعية التى قامت من أجلها الثورة فى هذا الأمر؟، كذلك الدعم وغيره من الأمور التى لم تحل حتى هذه اللحظة. [email protected]